وفي حديثِ أسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ عِنْدَ أبي داود: "وَلْتَجْلِسْ في مِرْكَنٍ فإذا رأتْ صُفْرَةً فَوْقَ الماءِ فَلْتَغْتَسِلْ للظّهْرِ والْعَصْرِ غُسْلاً واحداً، وَتَغْتَسِلُ للمغْرب والعشَاءِ غُسْلاً واحداً. وتَغْتَسِلُ للفجرِ غُسْلاً واحداً، وتتَوضَّأُ فيما بين ذلك".
 

(وفي حديث أسماء بنت عميس) بضم المهملة وفتح الميم وسكون المثناة التحتية فسين مهملة. هي امرأة جعفر، هاجرت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له هناك أولاداً. منهم عبد الله، ثم لما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق، فولدت له محمداً، ولما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فولدت له يحيى (عند أبي داود: ولتجلس) هو عطف على ما قبله في الحديث؛ لأن المصنف إنما ساق شطر حديث أسماء، لكن في لفظ أبي داود عنها هكذا: "سبحان الله هذا من الشيطان لتجلس" إلى اخره بدون واو. وفي نسخة في بلوغ المرام: (في مِركن) بكسر الميم: الإجانة التي تغسل فيها الثياب (فإذا رأت صُفْرَةً فَوْقَ الماء) الذي تقعد فيه، فتصب عليها الماء، فإنها تظهر الصفرة فوق الماء (فلْتغتسلْ للظُّهر والعَصْر غُسْلاً واحداً وتغتسل للمغرب والعشاء غُسْلاً واحداً، وتغتسلُ للفجر غُسْلاً واحداً، وتتوضأ فيما بين ذلك).
هذا الحديث، وحديث حمنة الاتي فيه الأمر بالاغتسال في اليوم والليلة ثلاث مرات. وقد بيّن في حديث حمنة، أن المراد: إذا أخّرت الظهر والمغرب، ومفهومه: أنها إذا وقتت اغتسلت لكل فريضة، وقد اختلف العلماء:
فروي عن جماعة من الصحابة والتابعين: أنه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة.
وذهب الجمهور إلى أنها لا يجب عليها ذلك. وقالوا: رواية: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أمرها بالغسل لكل صلاة" ضعيفة، وبيّن البيهقي ضعفها. وقيل: بل هو حديث منسوخ: بحديث فاطمة بنت أبي حبيش: "أنها توضأت لكل صلاة".
قلت: إلا أن النسخ يحتاج إلى معرفة المتأخر، ثم إنه قال المنذري: إنّ حديث أسماء بنت عميس حسن، فالجمع بين حديثها وحديث فاطمة بنت أبي حبيش أن يقال: إن الغسل مندوب بقرينة عدم أمر فاطمة به، واقتصاره على أمرها بالوضوء، فالوضوء هو الواجب، وقد جنح الشافعي إلى هذا.

الموضوع التالي


وعن حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قالت: كُنْتُ أُسْتحاضُ حَيْضَةً كثيرةً شديدةً، فأَتَيْتُ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أَسْتَفْتِيهِ، فقَالَ: "إنما هِيَ رَكْضَةٌ منَ الشّيطان، فَتَحيّضي ستّةَ أيامٍ، أوْ سَبْعَةَ أيّامٍ، ثمَّ اغْتسِلي، فإذا اسْتَنْقأتِ فصَلي أربعةً وعشرين، أو ثلاثةً وعشرينَ، وصومي وصلِّي، فإنَّ ذلك يُجْزِئُك، وكذلك فافعلي كما تحيضُ النساءُ، فإنْ قَوِيتَ على أنْ تُؤخِّري الظُّهر وتُعَجلي العَصْرَ، ثمَّ تَغْتَسِلي حين تَطْهُرين، وتُصلي الظهرَ والْعَصْرَ جميعاً، ثم تُؤخِّرين المغْرِبَ والعِشَاءَ، ثمَّ تَغْتَسِلينَ وَتجمَعين بينَ الصَّلاتينِ، فافْعَلِي. وتَغْتَسلينَ مَعَ الصُّبْحِ وتُصَلينَ. قال: وَهُوَ أَعْجبُ الأمرين إليَّ". رواه الخمسة إلا النّسائيُّ، وصحّحهُ الترمذيُّ، وحسّنهُ البُخاري.

الموضوع السابق


عن عائشة رضي الله عنها: أن فاطمة بنت أبي حبيش) تقدم ضبطه في أول باب النواقض (كانت تستحاض) تقدم أن الاستحاضة: جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه، وتقدم فيه: "أن فاطمة جاءت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فقالت: إني امرأة أستحاض، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟" (فقال لها رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إنَّ دمَ الحيض دمٌ أسْوَدٌ يُعْرَفُ") بضم حرف المضارعة وكسر الراء: أي له عرف ورائحة، وقيل: بفتح الراء: أي تعرفه النساء (فإذا كان ذلكَ) بكسر الكاف (فأمْسكي عن الصَّلاة. فإذا كانَ الاخَرُ) أي: الذي ليس بتلك الصفة (فتوضَّئي وصَلي" رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان، والحاكم، واستنكره أبو حاتم) ؛ لأنه من حديث عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، وجده: لا يعرف، وقد ضعف الحديث أبو داود.