وعن عائشة رضيَ الله تعالى عنها قالتْ: لمّا جِئْنا سَرِفَ حِضْتُ، فقال النبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "افْعَلِي ما يَفْعَلُ الحاجُّ، غَيَرْ أنْ لا تَطُوفِي بالبَيْتِ حتى تَطْهُري". متفقٌ عليه، في حديثٍ طويلٍ.
 

(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جئنا) أي عام حجة الوداع، وكانت قد أحرمت معه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (سَرف) بالسين المهملة مفتوحة وكسر الراء ففاء: اسم محل منعه من الصرف للعلمية والتأنيث، وهو محل بين مكة والمدينة (حضت، فقال النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "افْعَلي ما يَفْعَلُ الحاج غير أن لا تطوفي بالبَيْتِ حتى تطهُري". متفق عليه في حديث طويل).
فيه صفة حجه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وفيه دليل على أن الحائض يصح منها جميع أفعال الحج غير الطواف بالبيت، وهو مجمع عليه. واختلف في علته، فقيل: لأن من شرط الطواف الطهارة، وقيل: لكونها ممنوعة من دخول المسجد. وأما ركعتا الطواف، فقد علم أنهما لا يصحان منها؛ إذ هما مرتبتان على الطواف والطهارة.
وعن مُعاذِ بن جَبَلٍ رضيَ الله تعالى عَنْهُ، أنّهُ سأَلَ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: مَا يحلُّ للرَّجل من امرَأَتِه، وَهِيَ حائضٌ؟ فَقَالَ: "ما فَوْقَ الإزار". رَوَاه أبُو داود وضعّفهُ.
(وعن معاذ) بضم الميم فعين مهملة خفيفة اخره ذال معجمة، وهو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل، الأنصاري الخزرجي، أحد من شهد العقبة من الأنصار، وشهد بدراً، وغيرها من المشاهد، وبعثه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلى اليمن قاضياً، ومعلماً، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال باليمن، وكان من أجلاء الصحابة، وعلمائهم. استعمله عمر على الشام بعد أبي عبيدة، فمات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، وقيل: سبع عشرة، وله ثمان وثلاثون سنة (أنه سأل النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: ما يحل للرجل من امرأته، وهي حائض؟ قال: "ما فوق الإزَار"، رواه أبو داود وضعفه) وقال: ليس بالقويّ.
والحديث دليل على تحريم مباشرة محل الإزار، وهو ما بين السرة والركبة.
والحديث قد عارضه حديث: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" تقدم، وهو أصح من هذا، فهو أرجح منه، ولو ضمه المصنف إليه لكان أولى، وتقدم الكلام فيه. وفي حديث عائشة: "كان يأمرني فأتزر".