وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنْهُ قالَ: كان رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يصلي العصْرَ ثمَّ يَرْجعُ أحدُنا إلى رحْلهِ في أقصى المدينة والشّمس حَيّةٌ، وكان يَسْتَحِبُّ أنْ يؤخّر من العِشاء، وكان يكرهُ النّومَ قَبْلَها، والحديثَ بَعْدَهَا، وكانَ يَنْفَتِلُ من صلاةِ الْغَدَاةِ حين يَعْرفُ الرَّجُلُ جليسهُ، وكان يقرأ بالسِّتِّين إلى المائَةِ. متفقٌ عليهِ.
 

(وعن أبي برزة) بفتح الموحدة وسكون الراء فزاي فهاء، اسمه: نضلة بفتح النون فضاد ساكنة معجمة، ابن عبيد، وقيل: ابن عبد الله، أسلم قديماً، وشهد الفتح، ولم يزل يغزو مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حتى توفي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فنزل البصرة، ثم غزا خراسان، وتوفي بمرو، وقيل: بغيرها سنة ستين (الأسلمي قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا) بعد صلاته (إلى رحله) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة، وهو مسكنه (في أقصى المدينة حال من رحله، وقيل: صفة له (والشمس حيةٌ) أي يصل إلى رحله حال كون الشمس حية: أي بيضاء قوية الأثر حرارة ولوناً وإنارة.
(وكان يَسْتَحب أن يؤخر من العشاء) لم يبين إلى متى، وكأنه يريد مطلق التأخير، وقد بينه غيره من الأحاديث (وكان يكره النوم قبلها) لئلا يستغرق النائم فيه حتى يخرج اختيار وقتها (والحديث) التحادث مع الناس (بعدها) ، فينام عقب تكفير الخطيئة بالصلاة، فتكون خاتمة عمله، ولئلا يشتغل بالحديث عن قيام اخر الليل، إلا أنه قد ثبت: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يسمر مع أبي بكر في أمر المسلمين.
(وكان يَنْفَتِل) بالفاء فمثناة بعدها فوقية مكسورة أي: يلتفت إلى من خلفه، أو ينصرف (من صلاة الغداة) الفجر (حين يعرفُ الرجُلُ جليسهُ) أي بضوء الفجر، لأنه كان مسجده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ليس فيه مصابيح، وهو يدل على أنه كان يدخل فيها والرجل لا يعرف جليسه، وهو دليل التبكير بها (وكانَ يقرأ بالستين إلى المائة) يريد: أنه إذا اختصر قرأ بالستين في صلاته في الفجر، وإذا طول فإلى المائة من الايات (متفق عليه).
فيه ذكر وقت صلاة العصر والعشاء، والفجر من دون تحديد للأوقات، وقد سبق في الذي مضى ما هو أصرح وأشمل.
وعندهُما مِنْ حديث جابرٍ: والعشاء أحْياناً يُقدمُها، وأحْياناً يؤخِّرُها: إذا راهُمُ اجْتَمَعوا عَجّل، وإذا راهم أبطأوا أخّر، والصُّبحُ: كان النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يُصَلِّيها بِغَلَسٍ.
(وعندهما) أي: الشيخين المدلول عليهما بقوله: متفق عليه (من حديث جابر: والعشاء أحياناً يقدمها) أول وقتها "وأحياناً يؤخرها) عنه، كما فصله قوله (إذا راهُمْ) أي: الصحابة (اجتمعوا) في أول وقتها (عَجّلَ) رفقاً بهم (وإذا راهم أبطأوا) عن أوله (أخّرَ) مراعاة لما هو الأرفق بهم، وقد ثبت عنه: "أنه لولا خوف المشقة عليهم لأخرهم (والصُّبحُ كان النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يصليها بغلس) الغلس محركة: ظلمة اخر الليل، كما في القاموس، وهو أول الفجر، ويأتي ما يعارضه: في حديث رافع بن خديج.
ولمسلمٍ مِنْ حديث أبي مُوسى: فأقامَ الفَجْرَ حين انشقَّ الفجْرُ، والنّاس لا يكادُ يعرفُ بعضُهُمْ بعْضاً.
(ولمسلم) وحده (من حديث أبي موسى: فأقام الفجر حين انشق الفجرُ والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً) وهو كما أفاده الحديث الأول.