وعن أبي هريرةَ رضي الله عنهُ قالَ: قالَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا اشْتَدّ الحرُّ فأبْردوا بالصّلاةِ، فإنَّ شِدَّةَ الحرِّ مِنْ فَيْح جَهَنَّم"، متّفقٌ عليه.
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: إذا اشتد الحر فأبردوا) بهمزة مفتوحة مقطوعة وكسر الراء (بالصلاة) أي: صلاة الظهر (فإن شدة الحر من فَيْح جهنّم) بفتح الفاء وسكون المثناة التحتية فحاء مهملة، أي: سعة انتشارها وتنفسها (متفق عليه). يقال: أبرد إذا دخل في وقت البرد، كأظهر إذا دخل في الظهر، كما يقال أنجد وأتهم إذا بلغ نجداً وتهامة، ذلك في الزمان، وهذا في المكان.
والحديث دليل على وجوب الإبراد بالظهر عند شدة الحر؛ لأنه الأصل في الأمر، وقيل: إنه للاستحباب، وإليه ذهب الجمهور، وظاهره عام للمنفرد، والجماعة، والبلد الحار، وغيره، وفيه أقوال غير هذه. وقيل: الإبراد سنة، والتعجيل أفضل؛ لعموم أدلة فضيلة الوقت. وأجيب: بأنها عامة مخصوصة، بأحاديث الإبراد.
وعورض حديث الإبراد: بحديث خباب "شكونا إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا" أي: لم يزل شكوانا، وهو حديث صحيح رواه مسلم.
وأجيب عنه بأجوبة: أحسنها: أن الذي شكوه شدة الرمضاء في الأكف والجباه، وهذه لا تذهب عن الأرض إلا اخر الوقت، أو بعد اخره، ولذا قال لهم صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "صلوا الصلاة لوقتها" كما هو ثابت في رواية خباب هذه بلفظ: "فلم يشكنا. وقال: صلوا الصلاة لوقتها" رواها ابن المنذر؛ فإنه دال على أنهم طلبوا تأخيراً زائداً عن وقت الإبراد، فلا يعارض حديث الأمر بالإبراد.
وتعليل الإبراد بأن شدة الحر من فيح جهنم: يعني: وعند شدته يذهب الخشوع الذي هو روح الصلاة وأعظم المطلوب منها. قيل: وإذا كان العلة ذلك، فلا يشرع الإبراد في البلاد الباردة، وقال ابن العربي في القبس: "ليس في الإبراد تحديد، إلا ما ورد في حديث ابن مسعود: يعني الذي أخرجه أبو داود، والحاكم من طريق الأسود عنه: "كان قدر صلاة رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الظهر في الصيف ثلاثة أقدام، إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام، إلى سبعة أقدام" ذكره المصنف في التلخيص، وقد بينا ما فيه، وأنه لا يتم به الاستدلال في المواقيت، وقد عرفت أن حديث الإبراد يخصص فضيلة صلاة الظهر في أول وقتها بزمان شدة الحر كما قيل: إنه مخصص بالفجر.