وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أفضلُ الأعْمال الصَّلاةُ في أوَّل وقْتها" رواهُ الترمذي، والحاكم، وصحّحاه، وأصْلُهُ في الصَّحيحين.
 

أخرجه البخاري عن ابن مسعود بلفظ: "سألت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أيُّ العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة لوقتها" وليس فيه لفظ أول.
فالحديث دل على أفضلية الصلاة في أول وقتها، على كل عمل من الأعمال، كما هو ظاهر التعريف للأعمال باللام. وقد عورض بحديث: "أفضل الأعمال إيمان بالله"، ولا يخفى أنه معلوم: أن المراد من الأعمال في حديث ابن مسعود: ما عدا الإيمان، فإنه إنما سأل عن أفضل أعمال أهل الإيمان. فمراده: غير الإيمان، قال ابن دقيق العيد: الأعمال هنا. أي في حديث ابن مسعود محمولة على البدنية، فلا تتناول أعمال القلوب، فلا تعارض حديث أبي هريرة: "أفضل الأعمال: الإيمان بالله عز وجل".
ولكنها قد وردت أحاديث أخر في أنواع من أعمال البر، بأنها أفضل الأعمال، فهي التي تعارض حديث الباب ظاهراً. وقد أجيب: بأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أخبر كل مخاطب بما هو أليق به، وهو به أقوم، وإليه أرغب، ونفعه فيه أكثر. فالشجاع أفضل الأعمال في حقه: الجهاد؛ فإنه أفضل من تخليه للعبادة. والغني أفضل الأعمال في حقه: الصدقة، وغير ذلك، أو أن كلمة "من" مقدرة، والمراد من أفضل الأعمال، أو كلمة "أفضل" لم يرد بها الزيادة، بل الفضل المطلق. وعورض تفضيل الصلاة في أول وقتها، على ما كان منها في غيره بحديث العشاء؛ فإنه قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لولا أن أشق على أمتي لأخرتها" يعني: إلى النصف، أو قريب منه. وبحديث الإصباح، أو الإسفار بالفجر، وبأحاديث الإبراد بالظهر. والجواب: أن ذلك تخصيص لعموم أول الوقت، ولا معارضة بين عام وخاص.
وأما القول: بأن ذكر أول وقتها تفرد به علي بن حفص من بين أصحاب شعبة، وأنهم كلهم رووه بلفظ: "على وقتها" من دون ذكر أول. فقد أجيب عنه من حيث الرواية: بأن تفرده لا يضر؛ فإنه شيخ صدوق من رجال مسلم؛ ثم قد صحح هذه الرواية الترمذي، والحاكم، وأخرجها ابن خزيمة في صحيحه؛ ومن حيث الدراية أن رواية لفظ: على وقتها تفيد: معنى لفظ: أول؛ لأن كلمة "على" تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت، ورواية: لوقتها باللام تفيد ذلك؛ لأن المراد استقبال وقتها؛ ومعلوم ضرورة شرعية: أنها لا تصح قبل دخوله، فتعين أن المراد لاستقبالكم الأكثر من وقتها، وذلك بالإتيان بها أول وقتها، ولقوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} ، ولأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان دأبه دائماً الإتيان بالصلاة في أول وقتها؛ ولا يفعل إلا الأفضل. إلا لما ذكرناه كالإسفار، ونحوه كالعشاء. ولحديث علي عند أبي داود: "ثلاث لا تؤخر، ثم ذكر منها الصلاة إذا حضر وقتها" والمراد: أن ذلك الأفضل، وإلا فإن تأخيرها بعد حضور وقتها جائز، ويدل له أيضاً قوله.