وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا سمعتُم النِّداءَ فقُولوا مِثْل ما يقُولُ المؤذِّنُ" متفَقٌ عليه.
 

فيه شرعية القول لمن سمع المؤذن: أن يقول، كما يقول على أي حال كان من طهارة، وغيرها، ولو جنباً، أو حائضاً، إلا حال الجماع، وحال التخلي؛ لكراهة الذكر فيهما، وأما إذا كان السامع في حال الصلاة، ففيه أقوال: الأقرب: أنه يؤخر الإجابة إلى بعد خروجه منها. والأمر يدل على الوجوب على السامع، لا على من راه فوق المنارة ولم يسمعه، أو كان أصم.
وقد اختلف في وجوب الإجابة، فقال به الحنفية، وأهل الظاهر، واخرون. وقال الجمهور: لا يجب، واستدلوا: بأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم سمع مؤذناً، فلما كبر قال: "على الفطرة"، فلما تشهد قال: (خرجت من النار) أخرجه مسلم. قالوا: فلو كانت الإجابة واجبة، لقال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، كما قال المؤذن. فلما لم يقل: دل على أن الأمر في حديث أبي سعيد للاستحباب. وتعقب: بأنه ليس في كلام الراوي ما يدل على أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يقل، كما قال. فيجوز أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال مثل قوله، ولم ينقله الراوي، اكتفاء بالعادة، ونقل الزائد، وقوله: "مثل ما يقول" يدل على أنه يتبع كل كلمة يسمعها، فيقول مثلها. وقد روت أم سلمة: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: كان يقول، كما يقول المؤذن حتى يسكت" أخرجه النسائي، فلو لم يجاوبه حتى فرغ من الأذان، استحب له التدارك إن لم يطل الفصل.
وظاهر قوله: "النداء" أنه: يجيب كل مؤذن أذن بعد الأول، وإجابة الأول أفضل. قال في الشرح: إلا في الفجر، والجمعة، فهما سواء؛ لأنهما مشروعان. قلت: يريد الأذان قبل الفجر، والأذان قبل حضور الجمعة، ولا يخفى أن الذي قبل الفجر قد صحت مشروعيته، وسماه النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أذاناً في قوله: "إن بلالاً يؤذن بليل"، فيدخل تحت حديث أبي سعيد، وأما الأذان قبل الجمعة، فهو محدث بعد وفاته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، ولا يسمى أذاناً شرعياً. وليس المراد من المماثلة: أن يرفع صوته كالمؤذن؛ لأن رفعه لصوته لقصد الإعلام، بخلاف المجيب، ولا يكفي إمراره الإجابة؛ على خاطره فإنه ليس بقول:
وظاهر حديث أبي سعيد والحديث الاتي وهو:
وللبخاري عنْ معاوية رضي الله عنه مِثْلُهُ.
وللبخاري عنْ معاوية رضي الله عنه مِثْلُهُ.
أي مثل حديث أبي سعيد: أن السامع يقول كقول المؤذن في جميع ألفاظه، إلا في الحيعلتين، فيقول: ما أفاده قوله:
ولمسْلمٍ عن عُمرَ رضي الله عنه في فَضْل القوْل كما يقولُ المُؤذِّنُ كلمةً كلمةً، سوى الحَيْعلَتين، فيقولُ: "لا حوْل ولا قُوَّةَ إلا بالله".
(ولمسلم عن عمر في فضل القول، كما يقول المؤذن كلمة كلمة، سوى الحيعلتين) حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإنه يخصص ما قبله (فيقول) أي السامع: (لا حول ولا قوة إلا بالله) عند كل واحدة منهما.
وهذا المتن هو الذي رواه معاوية، كما في البخاري، وعمر كما في مسلم، وإنما اختصر المصنف فقال: وللبخاري عن معاوية. أي القول، كما يقول المؤذن إلى اخر ما ساقه في رواية مسلم عن عمر. إذا عرفت هذا فيقولها أربع مرات؛ ولفظه عند مسلم: "إذا قال المؤذن، الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، إلى أن قال: فإذا قال: حيَّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حيَّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فيحتمل أنه يريد إذا قال: حيَّ على الصلاة حوقل؛ وإذا قالها ثانياً حوقل، ومثله حيَّ على الفلاح، فيكن أربعاً. ويحتمل أنها تكفي حوقلة واحدة عند الأولى من الحيعلين؛ وقد أخرج النسائي، وابن خزيمة حديث معاوية، وفيه "يقول ذلك، وقال المصنف: "في فضل القول" لأن اخر الحديث أنه قال: "إذا قال السامع: ذلك من قلبه دخل الجنة" والمصنف لم يأت بلفظ الحديث، بل بمعناه. هذا، والحول: هو الحركة: أي لا حركة، ولا استطاعة إلا بمشيئة الله، وقيل: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكى هذا عن ابن مسعود مرفوعاً.
واعلم أن هذا الحديث مقيد لإطلاق حديث أبي سعيد الذي فيه: "فقولوا مثل ما يقول" أي فيما عدا الحيعلة، وقيل: يجمع السامع بين الحيعلة والحوقلة؛ عملاً بالحديثين والأول أولى؛ لأنه تخصيص للحديث العام أو تقييد لمطلقه؛ ولأن المعنى مناسب لإجابة الحيعلة من السامع بالحوقلة؛ فإنه لما دعي إلى ما فيه الفوز، والفلاح، والنجاة، وإصابة الخير، ناسب أن يقول: هذا أمر عظيم، لا أستطيع مع ضعفي القيام به، إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته، ولأن ألفاظ الأذان ذكر الله، فناسب أن يجيب بها؛ إذ هو ذكر له تعالى. وأما الحيعلة: فإنما هي دعاء إلى الصلاة، والذي يدعو إليها هو المؤذن، وأما السامع، فإنما عليه الامتثال والإقبال على ما دعي إليه، وإجابته في ذكر الله لا فيما عداه.
والعمل بالحديثين، كما ذكرنا هو الطريقة المعروفة في حمل المطلق على المقيد، أو تقديم الخاص على العام، فهي أولى بالاتباع، وهل يجيب عند الترجيع أو لا يجيب؟ وعند التثويب؟ فيه خلاف. وقيل: يقول في جواب التثويب صدقت وبررت؛ وهذا استحسان من قائله؛ وإلا فليس فيه سنة تعتمد.
فائدة: أخرج أبو داود عن بعض أصحاب النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أن بلالاً أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أقامها الله وأدامها" وقال في سائر الإقامة: بنحو حديث عمر في الأذان. يريد بحديث عمر: ما ذكره المصنف، وسقناه في الشرح: من متابعة المقيم في ألفاظ الإقامة كلها.