وعن عُثمانَ بنِ أبي العاص رضي الله عنه قال: يا رسول الله اجْعَلني إمام قَوْمي. فقال: "أَنْتَ إمامُهُمْ، واقْتدِ بأَضعفهمْ، واتّخِذْ مُؤذِّناً لا يأخذُ على أَذانِهِ أجراً" أخرجه الخمسة، وحسنهُ الترمذيُّ، وصحّحهُ الحاكِمُ.
 

(وعن عثمان بن أبي العاص) هو أبو عبد الله عثمان بن أبي العاص بن بشر الثقفي، استعمله النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على الطائف، فلم يزل عليها مدة حياته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وخلافة أبي بكر وسنين من خلافة عمر، ثم عزله، وولاه عمان، والبحرين، وكان من الوافدين عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في وفد ثقيف، وكان أصغرهم سناً، له سبع وعشرون سنة، ولما توفي رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عزمت ثقيف على الردة، فقال لهم: يا ثقيف كنتم اخر الناس إسلاماً، فلا تكونوا أولهم ردة، فامتنعوا من الردة، مات بالبصرة سنة إحدى وخمسين (أنه قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، فقال: أنت إمامُهُم، واقْتِد بأَضْعفهم) أي اجعل أضعفهم بمرض، أو زمانه، أو نحوهما قدوة لك، تصلي بصلاته تخفيفاً (واتخذ مُؤَذِّناً لا يأخذُ على أذانه أجْراً. أخرجه الخمسة، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم).
الحديث يدل على جواز طلب الإمامة في الخير. وقد ورد في أدعية عباد الرحمن الذين وصفهم الله بتلك الأوصاف أنهم يقولون: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ، وليس من طلب الرياسة المكروهة، فإن ذلك فيما يتعلق برياسة الدنيا، التي لا يعان من طلبها، ولا يستحق أن يعطاها، كما يأتي بيانه.
وأنه يجب على إمام الصلاة أن يلاحظ حال المصلي خلفه، فيجعل أضعفهم كأنه المقتدي به، فيخفف لأجله، ويأتي في أبواب الإمامة في الصلاة تخفيفه. وأنه يتخذ المتبوع مؤذناً ليجمع الناس للصلاة، وأن من صفة المؤذن المأمور باتخاذه: أن لا يأخذ على أذانه أجراً: أي أجرة، وهو دليل على أن من أخذ على أذانه أجراً، ليس مأموراً باتخاذه، وهل يجوز له أخذ الأجرة؟ فذهب الشافعية. إلى جواز أخذه الأجرة مع الكراهة. وذهبت الهادوية، والحنفية: إلى أنها تحرم عليه الأجرة؛ لهذا الحديث.
قلت: ولا يخفى أنه لا يدل على التحريم، وقيل: يجوز أخذها على التأذين في محل مخصوص؛ إذ ليست على الأذان حينئذ، بل على ملازمة المكان، كأجرة الرصد.
وعن مالك بن الحُوَيْرثِ رضي الله عنه قالَ: قالَ لنَا النّبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا حضَرَت الصلاةُ فَليُؤذن لكم أحَدُكم" الحديث. أخرجَهُ السبعةُ.
(وعن مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية وكسر الراء وثاء مثلثة؛ وهو: أبو سليمان مالك بن الحويرث الليثي وفد على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وأقام عنده عشرين ليلة، وسكن البصرة، ومات سنة أربع وتسعين بها (قال: قال لنا النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا حضرت الصَّلاة فليُؤذنْ لكُمْ أحدُكُمْ"، الحديث أخرجه السبعة).
هو مختصر من حديث طويل أخرجه البخاري بألفاظ: أحدها: قال مالك: "أتيت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيماً رفيقاً، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال: ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم، وصلوا، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم" زاد في رواية: "وصلوا كما رأيتموني أصلي"، فساق المصنف قطعة منه، هي موضع ما يريده من الدلالة على الحث على الأذان، ودليل إيجابه الأمر به، وفيه أنه لا يشترط في المؤذن غير الإيمان لقوله: "أحدكم".