وعن أبي محذورة رضي الله عنه أنَّ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم علّمه الأذان، فذَكَر فيهِ التّرجيع. أخرجهُ مسلمٌ. ولكن ذكرَ التّكبير في أوَّله مرَّتين فَقَطْ. وروَاهُ الخمْسةُ فذكروهُ مُربعاً.
 


(وعن أبي محذورة) تقدم ضبطه وبيان حاله (أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عَلّمَهُ الأذَانَ) أي ألقاه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بنفسه، في قصة حاصلها:
"أنه خرج أبو محذورة بعد الفتح إلى حنين، هو وتسعة من أهل مكة، فلما سمعوا الأذان، أذنوا استهزاء بالمؤمنين، فقال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت، فأرسل إلينا فأذنّا رجلاً رجلاً، وكنت اخرهم؛ فقال حين أذنت: تعال، فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي، وبرّك عليّ ثلاث مرات. ثم قال: اذهب فأذّن عند المسجد الحرام، فقلت: يا رسول الله، فعلمني. الحديث (فذكر فيه التّرجيع) أي في الشهادتين، ولفظه عند أبي داود: "ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، تخفض بها صوتك" قيل: المراد أن يسمع من بقربه. قيل: والحكمة في ذلك: أن يأتي بهما أولاً بتدبير وإخلاص، ولا يتأتى كمال ذلك إلا مع خفض الصوت. قال: "ثم ترفع صوتك بالشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله".
فهذا هو الترجيع، الذي ذهب جمهور العلماء: إلى أنه مشروع؛ لهذا الحديث الصحيح؛ وهو زيادة على حديث عبد الله بن زيد، وزيادة العدل مقبولة.
وإلى عدم القول به ذهب الهادي وأبو حنيفة، واخرون؛ عملاً منهم بحديث عبد الله بن زيد الذي تقدم (أخرجه مسلم، ولكن ذكر التكبير في أوله مرتين فقط) لا كما ذكره عبد الله بن زيد انفاً. وبهذه الرواية عملت الهادوية، ومالك، وغيرهم (ورواه) أي حديث أبي محذورة هذا (الخمسة) هم أهل السنن الأربعة، وأحمد (فذكروه) أي التكبير في أول الأذان (مربعاً) كروايات حديث عبد الله بن زيد.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: التكبير أربع مرات في أول الأذان محفوظ من رواية الثقات: من حديث أبي محذورة، ومن حديث عبد الله بن زيد، وهي زيادة يجب قبولها. واعلم أن ابن تيمية في المنتقى نسب التربيع في حديث أبي محذورة إلى رواية مسلم، والمصنف لم ينسبه إليه، بل نسبه إلى رواية الخمسة، فراجعت صحيح مسلم وشرحه فقال النووي: إن أكثر أصوله فيها التكبير مرتين في أوله. وقال القاضي عياض: إن في بعض طرق الفارسي لصحيح مسلم: ذكر التكبيع أربع مرات في أوله، وبه تعرف أن المصنف اعتبر أكثر الروايات، وابن تيمية اعتمد بعض طرقه، فلا يتوهم المنافاة بين كلام المصنف، وابن تيمية.