ولأبي داود من حديث أنس رضي لله عنه: وكان إذا سافرَ فأراد أن يتطوَع استقبلَ بناقتِهِ القِبلة، فكبّر ثمَّ صلى حيث كانَ وجْهُ رِكَابِه، وإسنادُهُ حسنٌ.
 

ما يدل على أنه عند تكبيرة الإحرام يستقبل القبلة، وهي زيادة مقبولة، وحديثه حسن، فيعمل بها. وقوله: ناقته، وفي الأول: راحلته: هما بمعنى واحد، وليس بشرط أن يكون ركوبه على ناقة، بل قد صح في رواية مسلم: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى على حماره" وقوله: "إذا سافر" تقدم أن السفر شرط عند بعض العلماء، وكأنه يأخذه من هذا، وليس بظاهر في الشرطية.
وفي هذا الحديث؛ والذي قبله: أن ذلك في النفل، لا الفرض، بل صرح البخاري: أنه لا يصنعه في المكتوبة، إلا أنه قد ورد في رواية الترمذي والنسائي: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أتى إلى مضيق هو وأصحابه، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن، فأذن، وأقام. ثم تقدم رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على راحلته، فصلى بهم يومىء إيماء، فيجعل السجود أخفض من الركوع". قال الترمذي: حديث غريب، وثبت ذلك عن أنس من فعله، وصححه عبد الحق، وحسنه الثوري، وضعفه البيهقي، وذهب البعض: إلى أن الفريضة تصح على الراحلة إذا كان مستقبل القبلة في هودج، ولو كانت سائرة كالسفينة، فإن الصلاة تصح فيها إجماعاً.
قلت: وقد يفرق: بأنه قد يتعذر في البحر وجدان الأرض فعفي عنه، بخلاف راكب الهودج. وأما إذا كانت الراحلة واقفة، فعند الشافعي تصح الصلاة للفريضة، كما تصح عندهم في الأرجوحة المشدودة بالحبال، وعلى السرير المحمول على الرجال إذا كانوا واقفين. والمراد من المكتوبة: التي كتبت على جميع المكلفين، فلا يرد عليهّ: أنه صلى الله عليه واله وسلم كان يوتر على راحلته، والوتر واجب عليه.