وعن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه قالَ: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يَقْطعُ صلاة الرَّجل المسلم ــــ إذا لم يكن بين يديْهِ مِثْلُ مُؤخِرةِ الرَّحل ــــ المرأةُ، والحمارُ، والكَلْبُ الأسودُ ــــ الحديث" وفيه "الكلبُ الأسودُ شيطانٌ" أخرجه مسلمٌ.
 

(وعن أبي ذرّ) بفتح الذال المعجمة وقد تقدمت ترجمته (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: يقْطَعُ صلاة المرء المسلم) أي يفسدها، أو يقلل ثوابها (إذا لم يكُنْ بين يديه مِثْلُ مُؤْخرة الرّحل) أي مثلاً، وإلا فقد أجزأ السهم كما عرفت (المرأة) هو فاعل يقطع: أي مرور المرأة (والحمار والكلبُ الأسودُ. الحديث) أي: أتم الحديث، وتمامه "قلت: فما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عما سألتني فقال: "الكلب الأسود شيطان" (وفيه الكلبُ الأسوَدُ شَيْطانُ) الجار يتعلق بمقدر: أي وقال: (أخرجه مسلم) ، وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه مختصراً، ومطولاً.
الحديث دليل: على أنه يقطع صلاة من لا سترة له مرور هذه المذكورات، وظاهر القطع الإبطال. وقد اختلف العلماء في العمل بذلك، فقال قوم: يقطعها المرأة، والكلب الأسود، دون الحمار؛ لحديث ورد في ذلك عن ابن عباس: "أنه مرَّ بين يدي الصف على حمار، والنبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يصلي، ولم يعد الصلاة، ولا أمر أصحابه بإعادتها" أخرجه الشيخان فجعلوه مخصصاً لما هنا. وقال أحمد: يقطعها الكلب الأسود. قال: وفي نفسي من المرأة، والحمار. أما الحمار، فلحديث ابن عباس. وأما المرأة، فلحديث عائشة عند البخاري أنها قالت: "كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يصلي من الليل، وهي معترضة بين يديه، فإذا سجد غمز رجليها فكفتهما، فإذا قام بسطتهما" فلو كانت الصلاة يقطعها مرور المرأة: لقطعها اضطجاعها بين يديه.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يقطعها شيء، وتأولوا الحديث بأن المراد بالقطع: نقص الأجر، لا الإبطال. قالوا: لشغل القلب بهذه الأشياء. ومنهم من قال: هذا الحديث منسوخ بحديث أبي سعيد الاتي: "لا يقطع الصلاة شيء" ويأتي الكلام عليه، وقد ورد: "أنه يقطع الصلاة: اليهودي والنصراني، والمجوسي، والخنزير" وهو ضعيف، أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس، وضعفه.
ولهُ عن أبي هريرة نحوهُ دون الكلْبِ.
(وله) أي لمسلم (عن أبي هريرة نحوه) أي نحو حديث أبي ذر (دون الكلب) كذا في نسخ بلوغ المرام، ويريد: أن لفظ الكلب لم يذكر في حديث أبي هريرة، ولكن راجعت الحديث، فرأيت لفظه في مسلم عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يقطع الصلاة: المرأة، والحمار، والكلب، ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل".
ولأبي داود والنسائيِّ عن ابن عباس رضي الله عنهما نحْوُهُ، دون آخرهِ. وقَيّد المرْأة بالحائض.
(ولأبي داود والنسائيِّ عن ابن عباس رضي الله عنهما نحْوُهُ، دون آخرهِ. وقَيّد المرْأة بالحائض).
في أبي داود عن شعبة قال: حدثنا قتادة قال: سمعت جابر بن زيد: يحدث عن ابن عباس، رفعه شعبة. قال: "يقطع الصلاة المرأة الحائض، والكلب"، وأخرجه النسائي وابن ماجه وقوله: "دون اخره" يريد: أنه ليس في حديث ابن عباس: اخر حديث أبي هريرة الذي في مسلم، وهو قوله: "ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل" فالضمير في اخره في عبارة المصنف: لاخر حديث أبي هريرة، مع أنه لم يأت بلفظه، كما عرفت، ولا يصح أنه يريد: دون اخر حديث أبي ذر، كما لا يخفى، من أن حق الضمير عوده إلى الأقرب. ثم راجعت سنن أبي داود، وإذا لفظه "يقطع الصلاة المرأة الحائض، والكلب" فاحتملت عبارة المصنف: أن مراده: دون اخر حديث أبي ذر وهو قوله: "الكلب الأسود شيطان"، أو دون اخر حديث أبي هريرة، وهو: ما ذكرناه في الشرح، والأول أقرب؛ لأنه ذكر لفظ أبي ذر، دون لفظ حديث أبي هريرة، وإن صح أن يعيد إليه الضمير، وإن لم يذكره: إحالة على الناظر. وتقييد المرأة بالحائض يقتضي ــــ مع صحة الحديث ــــ حمل المطلق على المقيد، فلا تقطع إلا الحائض، كما أنه أطلق الكلب عن وصفه بالأسود في بعض الأحاديث. وقيد في بعضها به، فحملوا المطلق على المقيد، وقالوا: لا يقطع إلا الأسود، فتعين في المرأة الحائض: حمل المطلق على المقيد.