وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يسترُهُ من الناس، فأراد أحدٌ أنْ يجتازَ بين يديهِ فلْيدفعْهُ، فإن أبى فَلْيُقاتلهُ، فإنّما هو شَيْطَانٌ" متّفق عليه، وفي رواية: "فإنَّ معهُ القرين".
 

(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: إذا صلى أحدُكم إلى شيء يَسْتُرهُ منَ الناس) مما سلف تعيينه من السترة، وقدرها، وقدر كم يكون بينها وبين المصلي (فأراد أحدٌ أن يجْتاز) أي يمضي (بين يدَيْهِ فلْيدفَعْهُ) ظاهره وجوباً (فإن أبى) أي عن الاندفاع (فلْيُقاتِلْهُ) ظاهره كذلك (فإنما هو شَيْطانٌ) تعليل للأمر بقتاله، أو لعدم اندفاعه، أو لهما (متفق عليه. وفي رواية) أي لمسلم: من حديث أبي هريرة (فإن معَه القرين) في القاموس: القرين: الشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه، وظاهر كلام المصنف أن رواية: (فإن معه القرين) متفق عليها بين الشيخين من حديث أبي سعيد، ولم أجدها في البخاري، ووجدتها في صحيح مسلم، لكن من حديث أبي هريرة.
والحديث دال بمفهومه: على أنه إذا لم يكن للمصلي سترة، فليس له دفع المار بين يديه، وإن كان له سترة دفعه. قال القرطبي: بالإشارة، ولطيف المنع، فإن لم يمتنع عن الاندفاع قاتله: أي دفعه دفعاً أشد من الأول، قال: وأجمعوا: أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح؛ لمخالفة ذلك قاعدة الصلاة: من الإقبال عليها والاشتغال بها، والخشوع. هذا كلامه، وأطلق جماعة: أن له قتاله حقيقة، وهو ظاهر اللفظ. والقول بأنه يدفعه بلعنه وسبه يرده: لفظ هذا الحديث، ويؤيده: فعل أبي سعيد راوي الحديث مع الشاب الذي أراد أن يجتاز بين يديه، وهو يصلي. أخرجه البخاري عن أبي صالح السمان قال: "رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفعه أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب، فلم يجد مساغاً إلا بين يديه، فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأول. الحديث" وقيل: يرده بأسهل الوجود، فإذا أبى، فبأشدّ، ولو أدى إلى قتله، فإن قتله، فلا شيء عليه؛ لأن الشارع أباح قتله.
والأمر في الحديث، وإن كان ظاهره الإيجاب، لكن قال النووي: لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع، بل صرح أصحابنا: بأنه مندوب، ولكن قال المصنف: قد صرح بوجوبه أهل الظاهر. وفي قوله: "فإنما هو شيطان": تعليل بأن فعله فعل الشيطان: في إرادة التشويش على المصلي، وفيه دلالة على جواز إطلاق لفظ الشيطان على الإنسان الذي يريد إفساد صلاة المصلي، وفتنته في دينه، كما قال تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} وقيل: المراد بأن الحامل له على ذلك شيطان، ويدل له رواية مسلم: "فإن معه القرين".
وقد اختلف في الحكمة المقتضية للأمر بالدفع، فقيل: لدفع الإثم عن المار، وقيل: لدفع الخلل الواقع بالمرور في الصلاة، وهذا الأرجح؛ لأن عناية المصلي بصيانة صلاته أهم من دفعه الإثم عن غيره، قلت: ولو قيل: إنه لهما معاً، لما بَعُد، فيكون لدفع الإثم عن المار، الذي أفاده حديث: "لو يعلم المار"، ولصيانة الصلاة عن النقصان من أجرها، فقد أخرج أبو نعيم عن عمر: "لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه، ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس"، وأخرج ابن أبي شيبة: عن ابن مسعود: "إن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته"، ولهما حكم الرفع، وإن كانا موقوفين، إلا أن الأول فيمن لم يتخذ سترة. والثاني مطلق، فيحمل عليه. وأما من اتخذ السترة فلا نقص في صلاته بمرور المار؛ لأنه قد صرح الحديث: أنه مع اتخاذ السترة لا يضره مرور من مرّ، فأمره بدفعه للمار، لعل وجهه: إنكار المنكر على المارّ؛ لتعديه ما نهاه عنه الشارع، ولذا يقدم الأخف على الأغلظ.