وعنه قالَ: كان قِرامٌ لِعَائشة سَتَرت به جانب بَيْتِها، فقال لها النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أميطي عنّا قِرَامَكِ هذا، فإنّهُ لا تَزالُ تصَاويرُهُ تَعْرض لي في صلاتي" رواه البخاريُّ.
 

(وعنه) أي أنس رضي الله عنه (قال: كان قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء: الستر الرقيق، وقيل: الصفيق من صوف ذي ألوان (لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أميطي عنا) أي أزيلي (قرامك هذا؛ فإنه لا تزال تصاويرُهُ تَعرضُ) بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء (لي في صلاتي، رواه البخاري).
في الحديث دلالة: على إزالة ما يشوش على المصلي صلاته: مما في منزله أو في محل صلاته، ولا دليل فيه على بطلان الصلاة؛ لأنه لم يرو أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أعادها، ومثله:
واتّفقا على حديثها في قصة أَنْبجانيّة أبي جَهْمٍ، وفيهِ: "فإنّها أَلهَتْني عنْ صلاتي".
(واتفقا) أي الشيخان (على حديثها) أي عائشة (في قصة أنبجانية) بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم، وبعد النون ياء النسبة: كساء غليظ لا علم فيه (أبي جَهْمٍ) بفتح الجيم وسكون الهاء هو عامر بن حذيفة (وفيه: فإنها) أي: الخميصة "وكانت ذات أعلام أهداها له صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أبو جهم"، فالضمير لها، وإن لم يتقدم في كلام المصنف ذكرها. ولفظ الحديث عن عائشة: "أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني انفاً عن صلاتي" هذا لفظ البخاري، وعبارة المصنف تفهم: أن ضمير فإنها: للأنبجانية، وكذا ضمير (ألهتني عن صلاتي).
وذلك أن أبا جهم أهدى للنبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم خميصة لها أعلام، كما روى مالك في الموطأ: عن عائشة قالت: "أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم خميصة لها علم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال: ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم" وفي رواية عنها: "كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة، فأخاف أن يفتنني" قال ابن بطال: إنما طلب منه ثوباً غيرها؛ ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافاً به.
وفي الحديث: دليل على كراهة ما يشغل عن الصلاة من النقوش، ونحوها: مما يشغل القلب، وفيه مبادرته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلى صيانه الصلاة عما يلهي، وإزاله ما يشغل عن الإقبال عليها. قال الطيبي: فيه إيذان بأن للصور، والأشياء الظاهرة تأثيراً في القلوب الطاهرة، والنفوس الزكية، فضلاً عما دونها. وفيه كراهة الصلاة على المفارش، والسجاجيد المنقوشة، وكراهة نقش المساجد، ونحوه.