وعنْها قالَتْ: رأَيْت رسُولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يسْتُرني وأنا أَنْظُرُ إلى الحبشةِ يلعبون في المسجد......." الحديثَ. متفقٌ عليه.
 

(وعنها) أي عن عائشة (قالت: رأيت رسولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يسترني، وأنا أنظرُ إلى الحبشة يلعبون في المسجد. الحديث. متفق عليه) قد بين في رواية للبخاري: أن لعبهم كان بالدرق والحراب. وفي رواية لمسلم: "يلعبون في المسجد بالحراب" وفي رواية للبخاري: "وكان يوم عيد".
فهذا يدل على جواز مثل ذلك في المسجد في يوم مسرة، وقيل: إنه منسوخ بالقران والسنة. أما القران: فقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} ،
وأما السُّنَّة فبحديث: "جنبوا مساجدكم صبيانكم" الحديث، وتعقب بأنه حديث ضعيف، وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف التاريخ فيتم النسخ.
وقد حكى أن لعبهم كان خارج المسجد، وعائشة كانت في المسجد. وهذا مرود بما ثبت في بعض طرق الحديث هذا أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد، فقال له النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "دعهم". وفي ألفاظه أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال لعمر: "لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة وأني بعثت بحنيفية سمحة". وكأن عمر بنى على الأصل في تنزيه المساجد فبين له صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أن التعمق والتشدد ينافي قاعدة شريعته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من التسهيل والتيسير. وهذا يدفع قول من قال: إن اللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً، بل فيه تدريب الشجعان على مواضع الحروب والاستعداد للعدو، ففي ذلك من المصلحة التي تجمع عامة المسلمين، ويحتاج إليها في إقامة الدين، فأجيز فعلها في المسجد.
وهذا وأما نظر عائشة إليهم وهم يلعبون وهي أجنبية، ففيه دلالة على الجواز نظر المرأة إلى جملة الناس من دون تفصيل لأفرادهم، كما تنظرهم إذا خرجت للصلاة في المسجد وعند الملاقاة في الطرقات، ويأتي تحقيق هذه المسألة في محلها.