[رح 41/724] ـ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "ما أُمِرْتُ بِتَشْيِيد الْمَسَاجِدِ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبّانَ.
 

(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: ما أمرت بتشيد المساجد" أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان) وتمام الحديث قال ابن عباس: "لتزخرفنها كما زخرفتها اليهود والنصارى". وهذا مدرج من كلام ابن عباس، كأنه فهمه من الأخبار النبوية من أن هذه الأمة تحذو حذو بني إسرائيل. والتشييد رفع البناء وتزيينه بالشيد، وهو الجص كذا في الشرح. والذي في القاموس: شاد الحائط يشيده طلاه بالشيد وهو ما يطلى به الحائط من جص ونحوه وانتهى. فلم يجعل رفع البناء من مسماه.
والحديث ظاهر في الكراهة أو التحريم لقوله ابن عباس كما زخرفت اليهود والنصارى فإن التشبه بهم محرم، وذلك أنه ليس المقصود من بناء المساجد إلا أن تكن الناس من الحر والبرد وتزيينها يشغل القلوب عن الخشوع الذي هو روح جسم العبادة. والقول بأنه يجوز تزيين المحراب باطل.
قال المهدي في البحر: إن تزيين الحرمين لم يكن برأي ذي حل وعقد ولا سكوت رضا أي من العلما، وإنما فعله أهل الدول الجبابرة من غير مؤاذنة لأحد من أهل الفضل وسكت المسلمون والعلماء من غير رضا، وهو كلام حسن وفي قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "ما أمرت"، إشعار بأنه لا يحسن ذلك فإنه لو كان حسناً لأمره الله به صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. وأخرج البخاري، من حديث ابن عمر: "أن مسجده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان على عهده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مبنياً باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كبيرة وبنى جدرانه بالأحجار المنقوشة والجص وجعل عمدة من حجارة منقوشة وسقفه بالساج".
قال ابن بطال: وهذا يدل على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تحسينها، فقد كان عمر مع كثرة الفتوحات في أيامه وكثرة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم عند عمارته: "أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس"، ثم كان عثمان والمال في زمنه أكثر فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك أنكر بعض الصحابة عليه، وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك، وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفاً من الفتنة.
وللعلماء في ذلك قولان: أحدهما أن يغمس يديه في الماء، ثم يضع باطن كفه اليسرى تحت عقب الخف، وكفه اليمنى على أطراف أصابعه، ثم يمر اليمنى إلى ساقه، واليسرى إلى أطراف أصابعه. وهذا للشافعي. واستدل لهذه الكيفية بما ورد في حديث المغيرة: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مسح على خفيه، ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة، كأني أنظر أصابعه على الخفين" رواه البيهقي، وهو منقطع، على أنه لا يفي بتلك الصفة.