وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يرفعُ يديْهِ حَذْوَ مَنْكبيهِ إذا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وإذَ كَبّرَ للرُّكوعِ، وإذا رفع رأسهُ منَ الرُّكوعِ. متفق عليه.
 

(وعن ابن عمر: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كانَ يرفع يديه حذوَ) بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة: أي مقابل (منكبيه إذا افتتح الصلاة) تقدم في حديث أبي حميد الساعدي (وإذا كبّر للركوع) رفعهما (وإذا رفع رأسه) أي أراد أن يرفعه (من الركوع. متفق عليه).
فيه شرعية رفع اليدين في هذه الثلاثة المواضع. أما عند تكبيرة الإحرام، فتقدم فيه الكلام. وأما عند الركوع والرفع منه، فهذا الحديث دل على مشروعية ذلك. قال محمد بن نصر المروزي: أجمع علماء الأمصار على ذلك، إلا أهل الكوفة.
قلت: والخلاف فيه للهادوية مطلقاً في المواضع الثلاثة. واستدل للهادي في البحر بقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مالي أراكم. الحديث". قلت: وهو إشارة إلى حديث جابر بن سمرة، أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، ولفظه عنه قال: "كنا إذا صلينا مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، قلنا بأيدينا: السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيديه إلى الجانبين، فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: علام تومئون بأيديكم. مالي أرى أيديكم، كأذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة، وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه: عن يمينه وشماله" انتهى بلفظه، وهو حديث صريح في أنه كان ذلك في إيمائهم بأيديهم عند السلام، والخروج من الصلاة، وسببه صريح في ذلك.
وأما قوله: "اسكنوا في الصلاة" فهو عائد إلى ما أنكره عليهم: من الإيماء إلى كل حركة في الصلاة: فإنه معلوم أن الصلاة مركبة من حركات، وسكون، وذكر الله. قال المقبلي في المنار على كلامم الإمام المهدي: إن كان هذا غفلة من الإمام إلى هذا الحد، فقد أبعد، وإن كان مع معرفته حقيقة الأمر فهو أورع وأرفع من ذلك. والإكثار في هذا لجاج مجرد، وأمر الرفع أوضح من أن تورد له الأحاديث المفردات، وقد كثرت كثرة لا توازى، وصحت صحة لا تمنع، ولذا لم يقع الخلاف المحقق فيه إلا للهادي فقط، فهي من النوادر التي تقع لأفراد العلماء، مثل مالك، والشافعي، وغيرهما، ما أحد منهم إلا له نادرة، ينبغي أن تغمر في جنب فضله، وتجتنب، انتهى.
وخالفت الحنفية فيما عدا الرفع عند تكبيرة الإحرام، واحتجوا برواية مجاهد: "أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك"، وبما أخرجه أبو داود من حديث ابن مسعود: "بأنه رأى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يرفع يديه عند الافتتاح، ثم لا يعود"، وأجيب: بأن الأول فيه أبو بكر بن عياش، وقد ساء حفظه؛ ولأنه معارض برواية نافع، وسالم ابن عمر لذلك، وهما مثبتان، ومجاهد ناف، والمثبت مقدم، وبأن تركه لذلك إذا ثبت، كما رواه مجاهد، يكون مبيناً لجوازه، وأنه لا يراه واجباً، وبأن الثاني وهو حديث ابن مسعود لم يثبت كما قال الشافعي، ولو ثبت لكانت رواية ابن عمر مقدمة عليه؛ لأنها إثبات، وذلك نفي، والإثبات مقدم.
وقد نقل البخاري عن الحسن، وحميد بن هلال: أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال البخاري: ولم يستثن الحسن أحداً، ونقل عن شيخه علي بن المديني أنه قال: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع، والرفع منه؛ لحديث ابن عمر، هذا. وزاد البخاري في موضع اخر بعد كلام ابن المديني: وكان عليّ أهم أهل زمانه، قال: ومن زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة، ويدل له قوله:
وفي حديث أبي حُميدٍ، عند أبي داود: يرفعُ يديهِ حتى يحاذي بِهِمَا مَنْكبيه. ثمَّ يكبرُ.
(وفي حديث أبي حُميدٍ، عند أبي داود: يرفعُ يديهِ حتى يحاذي بِهِمَا مَنْكبيه. ثمَّ يكبرُ).
تقدم حديث أبي حميد من رواية البخاري، لكن ليس فيه ذكر الرفع إلا عند تكبيرة الإحرام، بخلاف حديثه عند أبي داود، ففيه إثبات الرفع في الثلاثة المواضع، كما أفاده حديث ابن عمر، ولفظه عند أبي داود: "كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماً، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه" الحديث، تمامه: "ثم قال الله أكبر، وركع، ثم اعتدل، فلم يصوب رأسه، ولم يقنع، ووضع يديه على ركبتيه، ثم قال: سمع الله لمن حمد، ورفع يديه، واعتدل حتى رجع كل عظم إلى موضعه معتدلاً. الحديث". فأفاد رفعه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يديه في الثلاثة المواضع.
وكان على المصنف أن يقول بعد قوله ثم يكبر: الحديث، ليفيد: أن الاستدلال به جميعه، فإنه قد يتوهم أن حديث أبي حميد ليس فيه إلا الرفع عند تكبيرة الإحرام، كما أن قوله:
ولمسلم عن مالك بن الْحُوَيْرثِ نحو حديث ابن عُمَرَ، لكن قالَ: حتى يحاذي بهمَا فُروع أُذُنَيْهِ.
(ولمسلم عن مالك بن الحويرث: نحو حديث ابن عمر) أي الرفع في الثلاثة المواضع (لكن قال: حتى يحاذي بهما) أي اليدين (فروع أذنيه) أطرافهما. فخالف رواية ابن عمر، وأبي حميد في هذا اللفظ. فذهب البعض إلى ترجيح رواية ابن عمر؛ لكونها متفقاً عليها، وجمع اخرون بينهما فقالوا: يحاذي بظهر كفيه المنكبين، وبأطراف أنامله الأذنين، وأيدوا ذلك برواية أبي داود عن وائل بلفظ: "حتى كانت حيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه"، وهذا جمع حسن.
وعن وائل بن حُجْر قالَ: صَلّيْتُ مع النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فوضَعَ يدَهُ الْيُمْنَى على يدهِ اليُسْرى على صدره. أخْرَجَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ.
(وعن وائل) بفتح الواو وألف فهمزة، هو أبو هنيد بضم الهاء وفتح النون (بن حُجْر) بن ربيعة الحضرمي، كان أبوه من ملوك حضرموت، وفد وائل على النبي صلى الله عليه واله وسلم، فأسلم، ويقال: إنه صلى الله عليه واله وسلم بشر أصحابه قبل قدومه فقال: "يقدم عليكم وائل بن حجر من أرض بعيدة، طائعاً، راغباً في الله عز وجل وفي رسوله، وهو بقية أبناء الملوك، فلما دخل عليه صلى الله عليه واله وسلم رحب به وأدناه من نفسه، وبسط له رداءه فأجلسه عليه وقال: اللهم بارك على وائل وولده، واستعمله على الأقيال من حضرموت"، روى له الجماعة، إلا البخاري، وعاش إلى زمن معاوية، وبايع له. (قال: صلّيْت مع رسول الله: صلى الله عليه واله وسلم، فوضع يدهُ اليمنى على يده اليسرى على صدره: أخرجه ابن خزيمة) ، وأخرج أبو داود والنسائي بلفظ: "ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد"، الرسغ: بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها معجمة: هو المفصل بين الساعد والكف.
والحديث: دليل على مشروعية الوضع المذكور في الصلاة، ومحله على الصدر، كما أفاد هذا الحديث، وقال النووي في المنهاج: ويجعل يديه تحت صدره. قال في شرح النجم الوهاج: عبارة الأصحاب "تحت صدره" يريد، والحديث بلفظ: "على صدره" قال: وكأنهم جعلوا التفاوت بينهما يسيراً، وقد ذهب إلى مشروعيته زيد بن علي، وأحمد بن عيسى. وروى أحمد بن عيسى حديث وائل هذا في كتابه الأمالي، وإليه ذهبت الشافعية، والحنفية. وذهبت الهادوية إلى عدم مشروعيته، وأنه يبطل الصلاة لكونه فعلاً كثيراً. قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فيه خلاف، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين. قال: وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر، وغيره عن مالك غيره، وروى عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه.

الموضوع السابق


وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَسْتفتِح الصَّلاةَ بالتّكبير، والقِرَاءَةَ بالحمد لله ربِّ العالمين. وكانَ إذا رَكَعَ لم يشْخِصْ رأسَهُ، ولمْ يُصَوِّبْهُ، ولكنْ بيْن ذلك. وكان إذا رَفَعَ من الركُوع لم يسْجُد حتى يسْتوي قائماً. وكانَ إذا رفَعَ رأسَهُ منَ السّجود، لم يسْجُدْ حتى يسْتويَ جَالِساً. وكانَ يقُولُ في كُلِّ ركعتين التّحِيَّةَ. وكان يَفْرشُ رجْلَهُ اليُسْرى ويَنْصِبُ الْيمنى. وكانَ ينْهى عنْ عُقْبَةِ الشّيطان، وينهى أنْ يفترشَ الرَّجل ذراعيهِ افْتراشَ السّبُع. وكان يخْتمُ الصَّلاة بالتسليم. أَخْرَجَهُ مُسْلمٌ، ولَهُ عِلّةٌ.