وعن ابن بُحَيْنَةَ أنَّ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: كان إذا صلى وسجد فرَّج بين يديه، حتى يبدو بياضُ إبطيه، متفق عليه.
 

(وعن ابن بحينة) هو عبد الله بن مالك بن بحينة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة، وسكون المثناة التحتية وبعدها نون، وهو اسم لأم عبد الله، واسم أبيه: مالك بن القشب بكسر القاف وسكون الشين المعجمة فموحدة الأزدي. مات عبد الله في ولاية معاوية بين سنة أربع وخمسين وثمان وخمسين: (أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان إذا صلى وسجد فرَّج) بفتح الفاء وتشديد الراء اخره جيم (بين يديه) أي باعد بينهما: أي نحى كل يد على الجنب الذي يليها (حتى يبدو بياض إبطيه، متفق عليه).
الحديث دليل على فعل هذه الهيئة في الصلاة. قيل: والحكمة في ذلك: أن يظهر كل عضو بنفسه ويتميز، حتى يكون الإنسان الواحد في سجوده، كأنه عدد. ومقتضى هذا أن يستقل كل عضو بنفسه، ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض. وقد ورد هذا المعنى مصرحاً به فيما أخرجه الطبراني، وغيره: من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف أنه قال: "لا تفترش افتراش السبع، واعتمد على راحتيك، وأبد ضبعيك، فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك". وعند مسلم من حديث ميمونة: "كان النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يجافي بيديه، فلو أن بهيمة أرادت أن تمر مرت".
وظاهر الحديث الأول، وهذا، مع قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" يقتضي الوجوب، ولكنه قد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة: ما يدل على أن ذلك غير واجب بلفظ: "شكا أصحاب النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم له مشقة السجود عليهم إذا تفرجوا، فقال: استعينوا بالركب"، وترجم له: (الرخصة في ترك التفريج) قال ابن عجلان أحد رواته: وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا أطال السجود، وقوله: "حتى يرى بياض إبطيه" ليس فيه، كما قيل دلالة: على أنه لم يكن صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لابساً القميص؛ لأنه وإن كان لابساً فإنه قد يبدو منه أطراف إبطيه؛ لأنها كانت أكمام قمصان أهل ذلك العصر غير طويلة، فيمكن أن يرى الإبط من كمها، ولا دلالة فيه: على أنه لم يكن على إبطيه شعر، كما قيل، لأنه يمكن أن المراد يرى أطراف إبطيه، لا باطنهما حيث الشعر؛ فإنه لا يرى إلا بتكلف، وإن صح ما قيل: إن من خواصه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أنه ليس على إبطيه شعر، فلا إشكال.