وعن أَبي هُريرةَ قال: قالَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا سَجَدَ أَحدُكمْ فلا يَبْرُكْ كما يبركُ البعيرُ، ولْيَضَعْ يديه قبلَ ركبتيهِ، أخرجه الثلاثة، وهوَ أقوى من حديث وائل بن حُجْر:
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: إذا سجد أحدُكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه. أخرجه الثلاثة). هذا الحديث أخرجه أهل السنن، وعلله البخاري والترمذي، والدارقطني. قال البخاري: محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه. وقال: لا أدري: سمع من أبي الزناد أم لا. وقال الترمذي: غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد. وقد أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة أيضاً عنه: "أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم" ولم يذكر فيه: "وليضع يديه قبل ركبتيه"، وقد أخرج ابن أبي داود من حديث أبي هريرة: "أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان إذا سجد بدأ بيديه قبل ركبتيه"، ومثله أخرج الدراوردي من حديث ابن عمر، وهو الشاهد الذي سيشير المصنف إليه. وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: "كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين".
والحديث دليل على أنه يقدم المصلي يديه قبل ركبتيه عند الانحطاط إلى السجود، وظاهر الحديث الوجوب؛ لقوله: لا يبركن وهو نهي، وللأمر بقوله: "وليضع" قيل: ولم يقل أحد بوجوبه، فتعين أنه مندوب.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الهادوية، ورواية عن مالك، والأوزاعي: إلى العمل بهذا الحديث، حتى قال الأوزاعي: أدركنا الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم. وقال ابن أبي داود: وهو قول أصحاب الحديث، وذهبت الشافعية، والحنفية، ورواية عن مالك، إلى العمل بحديث وائل وهو قوله (وهو) أي حديث أبي هريرة هذا (أقوى) في سنده (من حديث وائل) وهو أنه قال:
رأيت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: إذا سَجَدَ وضعَ ركبتيهِ قبْلَ يَدَيْهِ، أخرجه الأربعةُ.
فإنَّ للأولِ شاهداً من حديث ابن عُمرَ رضي الله تعالى عنهُ، صحّحهُ ابنُ خُزيمة، وذكره البخاري مُعلقاً موْقوفاً.
(رأيت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا سجدَ وضع ركبتيه قبلَ يديه: أخرجه الأربعة، فإن للأول) أي حديث أبي هريرة (شاهداً من حديث ابن عمر، صححه ابن خزيمة) تقدم ذكر الشاهد هذا قريباً (وذكره) أي: الشاهد (البخاري معلقاً موقوفاً) قال: قال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه، وحديث وائل أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وابن خزيمة، وابن السكن في صحيحيهما: من طريق شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه. قال البخاري، و الترمذي، و أبو داود، و البيهقي: تفرد به شريك.
ولكن له شاهد عن عاصم الأحول عن أنس قال: "رأيت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم انحطّ بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه". أخرجه الدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وقال الحاكم: هو على شرطهما. وقال البيهقي: تفرد به العلاء بن العطار، والعلاء مجهول.
هذا، وحديث وائل هو دليل الحنفية، والشافعية، وهو مروي عن عمر، أخرجه عبد الرزاق، وعن ابن مسعود: أخرجه الطحاوي، وقال به أحمد، وإسحاق، وجماعة من العلماء، وظاهر كلام المصنف ترجيح حديث أبي هريرة، وهو خلاف مذهب إمامه الشافعي. وقال النووي: لا يظهر ترجيح أحد المذهبين على الاخر، ولكن أهل هذا المذهب رجحوا حديث وائل، وقالوا في أبي هريرة إنه مضطرب؛ إذ قد روى عنه الأمران. وحقق ابن القيم المسألة، وأطال فيها وقال: إن في حديث أبي هريرة قلباً من الراوي حيث قال: وليضع يديه قبل ركبتيه، وإن أصله: وليضع ركبتيه قبل يديه. قال: ويدل عليه أول الحديث وهو قوله: "فلا يبرك، كما يبرك البعير" فإن المعروف من بروك البعير هو تقديم اليدين على الرجلين، وقد ثبت عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: الأمر بمخالفة سائر الحيوانات في هيئات الصلاة، فنهى عن التفات كالتفات الثعلب، وعن افتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي كأذناب خيل شمس: أي حال السلام، وقد تقدم ويجمعها قولنا:
[شع] إذا نحن قمنا في الصلاة فإننا
نهينا عن الإتيان فيها بستة[/شع]
[شع] بروك بعير والتفات كثعلب
ونقر غراب في سجود الفريضة[/شع] [شع] وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه
وأذناب خيل عند فعل التحية[/شع]
وزدنا على ما ذكره في الشرح قولنا:
[شع] وزدنا كتدبيح الحمار بمده
لعنق وتصويب لرأس بركعة[/شع]
هذا السابع، وهو بالدال بعدها موحدة ومثناة تحتية وحاء مهملة، وروي بالذال المعجمة. قيل: وهو تصحيف. قال في النهاية: هو أن يطأطىء المصلي رأسه حتى يكون أخفض من ظهره. انتهى. إلا أنه قال النووي: حديث التدبيح ضعيف.
وقيل: كان وضع اليدين قبل الركبتين، ثم أمروا بوضع الركبتين قبل اليدين، وحديث ابن خزيمة الذي أخرجه عن سعد بن أبي وقاص ــــ وقد قدمناه قريباً ــــ يشعر بذلك، وقول المصنف: إن لحديث أبي هريرة شاهداً يقوى به ــــ معارض: بأن لحديث وائل أيضاً شاهداً، قد قدمناه. وقال الحاكم: إنه على شرطهما. وغايته ــــ وإن لم يتم كلام الحاكم ــــ فهو مثل شاهد أبي هريرة، الذي تفرد به شريك، فقد اتفق حديث وائل، وحديث أبي هريرة في القوة.
وعلى تحقيق ابن القيم، فحديث أبي هريرة عائد إلى حديث وائل، وإنما وقع فيه قلب، ولا ينكر ذلك، فقد وقع القلب في ألفاظ الحديث.

الموضوع السابق


وعن الحسَن بنْ علي رضي الله عنهما أنَّهُ قالَ: علّمني رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كلماتٍ أقُولُهُنَّ في قُنُوت الوتْر: "اللهمَّ اهدني فيمَنْ هديْتَ، وعافِني فيمَنْ عَافَيْت، وتولَّني فيمنْ توَلّيت، وبارك لي فيما أَعْطَيْتَ، وقِني شرَّ ما قَضَيْتَ، فإنّكَ تَقْضِي ولا يُقْضَى عليكَ، وإنّهُ لا يذِلُّ مَنْ والَيْتَ، تَبَارَكْتَ ربّنا وتعالَيْت" رواه الخمسة. وزاد الطّبرانيُّ والبيهقي: "ولا يعزُّ من عادَيْت" زادَ النسائي منْ وجْهٍ اخر في اخرهِ: "وصلَّى الله تعالى على النبيِّ".