وعن فَضالةَ بن عُبَيْدٍ رضي الله عنهُ قالَ: سمع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رجلاً يدعو في صلاته، ولم يحْمد الله، ولم يصل على النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فقال: "عجل هذا" ثمَّ دعاهُ، فقالَ: "إذا صلى أحدكم فلْيبدأ بتحميد ربِّه والثناء عليه، ثمَّ يصلي على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، ثمَّ يدعو بما شاءَ" رواهُ أحمد والثلاثة، وصحّحهُ الترمذي، وابن حِبّان، والحاكم.
 

(وعن فضالة) بفتح الفاء بزنة سحابة، هو أبو محمد: فضالة (بن عبيد) بصيغة التصغير لعبد، أنصاري أوسي. أول مشاهده أحد، ثم شهد ما بعدها، وبايع تحت الشجرة، ثم انتقل إلى الشام، وسكن دمشق، وتولى القضاء بها، ومات بها، وقيل غير ذلك.
(قال: سمع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رجلاً يدعو في صلاته، ولم يحمد الله، ولم يصل على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقال: عجل هذا) أي: بدعائه قبل تقديم الأمرين (ثم دعاه، فقال: إذا صلى أحدكمْ فلْيَبدأ بتحميدِ ربّه والثناءِ عليه) هو عطف تفسيري، ويحتمل أن يراد بالتحميد: نفسه، وبالثناء: ما هو أعم) أي: عبارة، فيكون من عطف العام على الخاص (ثمّ يصلي) هو خبر محذوف: أي ثم يصلي عطف جملة على جملة، فلذا لم تجزم (على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، ثم يدعو بما شاء) من خير الدنيا والاخرة (رواه أحمد، والثلاثة، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم).
الحديث دليل: على وجوب ما ذكر من التحميد والثناء، والصلاة عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، والدعاء بما شاء، وهو موافق في المعنى: لحديث ابن مسعود وغيره، فإن أحاديث التشهد تتضمن ما ذكر من الحمد والثناء، وهي مبينة لما أجمله هذا. ويأتي الكلام في الصلاة عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وهذا إذا ثبت: أن هذا الدعاء الذي سمعه النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من ذلك الرجل، كان في قعدة التشهد، وإلا فليس في هذا الحديث دليل على أنه كان ذلك حال قعدة التشهد، إلا أن ذكر المصنف له هنا يدل على أنه كان في قعود التشهد، وكأنه عرف ذلك من سياقه. وفيه دليل على تقديم الوسائل بين يدي المسائل وهي نظير {خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} (فكيف نصلي عليك؟ فسكت) أي رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وعند أحمد، ومسلم زيادة: "حتى تمنينا أنه لم يسأله" (ثم قال: قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى ال محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى ال محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ).
الحميد: صيغة مبالغة فعيل بمعنى مفعول، يستوي فيه المذكر والمؤنث. أي إنك محمود بمحامدك اللائقة بعظمة شأنك، وهو تعليل لطلب الصلاة، أي: لأنك محمود، ومن محامدك: إفاضتك أنواع العنايات، وزيادة البركات على نبيك، الذي تقرب إليك بامتثال ما أهلته له من أداء الرسالة، ويحتمل أن حميداً بمعنى: حامد: أي أنك حامد من يستحق أن يحمد، ومحمد من أحق عبادك بحمدك، وقبول دعاء من يدعو له، ولاله، وهذا أنسب بالمقام، "مجيد" مبالغة ماجد، والمجد: الشرف.
(والسلام كما علمتم) بالبناء للمجهول وتشديد اللام، وفيه رواية بالبناء للمعلوم وتخفيف اللام (رواه مسلم. وزاد ابن خزيمة: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا). وهذه الزيادة رواها أيضاً ابن حبان، والدارقطني، والحاكم، وأخرجها أبو حاتم، وابن خزيمة في صحيحيهما، وحديث الصلاة أخرجه الشيخان: عن كعب بن عجرة عن أبي حميد الساعدي، وأخرجه البخاريّ: عن أبي سعيد، والنسائي: عن طلحة، والطبراني: عن سهل بن سعد، وأحمد والنسائي: عن زيد بن خارجة.
والحديث دليل على وجوب الصلاة عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في الصلاة؛ لظاهر الأمر، أعني: "قولوا" وإلى هذا ذهب جماعة من السلف، والأئمة، والشافعي، وإسحق، ودليلهم: الحديث مع زيادته الثابتة، ويقتضي أيضاً وجوب الصلاة على الال، وهو قول الهادي، والقاسم، وأحمد بن حنبل، ولا عذر لمن قال: بوجوب الصلاة عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مستدلاً بهذا الحديث من القول: بوجوبها على الال، إذ المأمور به واحد، ودعوى النووي، وغيره الإجماع على أن الصلاة على الال مندوبة: غير مسلمة، بل نقول: الصلاة عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لا تتم، ويكون العبد ممتثلاً بها، حتى يأتي بهذا اللفظ النبوي الذي فيه ذكر الال؛ لأنه قال السائل: "كيف نصلي عليك" فأجابه بالكيفية: أنها الصلاة عليه وعلى اله، فمن لم يأت بالال، فما صلى عليه بالكيفية التي أمر بها، فلا يكون ممتثلاً للأمر، فلا يكون مصلياً عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. وكذلك بقية الحديث: من قوله: "كما صليت إلى اخره" يجب؛ إذ هو من الكيفية المأمور بها، ومن فرق بين ألفاظ هذه الكيفية، بإيجاب بعضها، وندب بعضها، فلا دليل له على ذلك.
وأما استدلال المهدي في البحر على: أن الصلاة على الال سنة: بالقياس على الأذان؛ فإنهم لم يذكروا معه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فيه، فكلام باطل، فإنه كما قيل: لا قياس مع النص، لأنه لا يذكر الال في تشهد الأذان لا ندباً ولا وجوباً، ولأنه ليس في الأذان دعاء له صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، بل شهادة بأنه رسول الله، والال لم يأت تعبد بالشهادة بأنهم اله.
ومن هنا تعلم: أن حذف لفظ الال من الصلاة، كما يقع في كتب الحديث ليس على ما ينبغي. وكنت سئلت عنه قديماً فأجبت: أنه قد صح عند أهل الحديث بلا ريب كيفية الصلاة على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وهم رواتها، وكأنهم حذفوها خطأ؛ تقية لما كان في الدولة الأموية من يكره ذكرهم. ثم استمر عليه عمل الناس متابعة من الاخر للأول، فلا وجه له، وبسطت هذا الجواب في حواشي شرح العمدة بسطاً شافياً.
وأما من هم الال، ففي ذلك أقوال: الأصح: أنهم من حرمت عليهم الزكاة، فإنه بذلك فسرهم زيد بن أرقم، والصحابي أعرف بمراده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فتفسيره قرينة على تعيين المراد من اللفظ المشترك، وقد فسرهم: بال علي، وال جعفر، وال عقيل، وال العباس.
فإن قيل: يحتمل أن يراد بقوله: "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" أي إذا نحن دعونا لك في دعائنا، فلا يدل على إيجاب الصلاة عليه في الصلاة. قلت: الجواب من وجهين: الأول: المتبادر في لسان الصحابة من الصلاة في قوله: "صلاتنا": الشرعية، لا اللغوية، والحقيقة العرفية مقدمة إذا ترددت بين المعنيين. الثاني: أنه قد ثبت وجوب الدعاء في اخر التشهد، كما عرفت من الأمر به، والصلاة عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قبل الدعاء واجبة؛ لما عرفت من حديث فضالة، وبهذا يتم إيجاب الصلاة عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بعد التشهد: قبل الدعاء الدالّ على وجوبه.

الموضوع السابق


وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: الْتفتَ إليْنا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فقَالَ: "إذا صلى أحدَكم فلْيَقُل: التّحِيّات لله، والصَّلواتُ، والطّيِّباتُ، السّلامُ عليك أيّها النبيّ ورحمةُ الله وبركاتُهُ، السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحينَ، أشهدُ أن لا إلَه إلَّا الله، وأشْهَدُ أنَّ محمداً عبْدُهُ ورسولُهُ، ثمَّ ليتخَيّر من الدّعاءِ أَعْجبَهُ إليه، فيَدْعو" متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري. وللنسائي: كُنّا نقولُ قبلَ أن يُفرض علينا التشهد. ولأحمد: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم علمه التشهد وأمره أن يعلمه الناس.