عن عبد الله بن بُحَيْنَةَ رضي الله عنه أنَّ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى بهم الظهرَ، فقامَ في الركعتين الأوليَين، ولمْ يجلسْ، فقامَ النّاسُ معهُ، حتى إذا قضى الصَّلاة، وانتظَرَ النّاس تسْليمَهُ، كَبّر وهو جالسٌ. وسَجَدَ سَجْدتين، قبْلَ أنْ يسَلّمَ، ثم سَلّمَ. أخرجه السبعة وهذا اللفظ للبخاريِّ. وفي رواية لمسلم: يُكبِّر في كلِّ سجْدةٍ وهو جالسٌ ويَسْجُد. ويَسْجُدُ الناسُ معهُ، مكان ما نسي من الجلوس.
 

(وعن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه) تقدم ضبطه وترجمته، وتكرر على الشارح ترجمته فأعادها هنا (أنَّ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأولييْن) بالمثناتين التحتيتين (ولم يجْلس) هو تأكيد لقام من باب: أقول له: ارحل لا تقيمن عندنا (فقام الناسُ معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه، كبر وهو جالس وسجد سجدتين قبل أنْ يسلم ثمَّ سلم. أخرجه السبعة وهذا لفظ البخاري).
الحديث: دليل على أن ترك التشهد الأول سهواً يجبره سجود السهو، وقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" يدل على وجوب التشهد الأول، وجبرانه هنا عند تركه: دل على أنه وإن كان واجباً، فإنه يجبر بسجود السهو، والاستدلال على عدم وجوبه: بأنه لو كان واجباً لما جبره السجود؛ إذ حق الواجب أن يفعل بنفسه ــــ لا يتم؛ إذ يمكن أنه كما قال أحمد بن حنبل: واجب، ولكنه إن ترك سهواً جبره سجود السهو. وحاصله أنه لا يتم الاستدلال على عدم وجوبه، حتى يقوم الدليل على أن كل واجب لا يجزىء عنه سجود السهو إن ترك سهواً. وقوله: "كبر" دليل على شرعية تكبيرة الإحرام لسجود السهو، وأنها غير مختصة بالدخول في الصلاة، وأنه يكبرها، وإن كان لم يخرج من صلاته بالسلام منها.
وأما تكبيرة النقل فلم تذكر هنا، ولكنها ذكرت في قوله: (وفي رواية لمسلم) أي عند عبد الله بن بحينة: (يكبِّر في كلِّ سجدة وهو جالسٌ ويسجُدُ، ويسجدُ معهُ النّاس) فيه دليل على شرعية تكبير النقل، كما سلف في الصلاة، وقوله: (مكان ما نسي من الجلوس) كأنه عرف الصحابي ذلك من قرينة الحال، فهذا لفظ مدرج من كلام الراوي، ليس حكاية لفعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الذي شاهده، ولا لقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.
ثم فيه دليل: على أن محل مثل هذا السجود قبل السلام، ويأتي ما يخالفه والكلام عليه. وفي رواية مسلم دلالة: على وجوب متابعة الإمام. وفي الحديث دلالة أيضاً: على وجوب متابعته، وإن ترك ما هذا حاله؛ فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أقرهم على متابعته، مع تركهم للتشهد عمداً، وفيه تأمل، لاحتمال أنه ما ذكر أنه ترك وتركوا إلا بعد تلبسه وتلبسهم بواجب اخر.

الموضوع التالي


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: صلى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إحْدى صلاتي العشيِّ ركعتين، ثمَّ سلّم، ثمَّ قام إلى خشبةٍ في مقدَّم المسْجد، فوضعَ يدهُ عليها، وفي القوْم أبو بكر وعُمَرُ، فهابا أنْ يُكلماهُ وخرج سرعانُ النّاس، فقالوا: قُصِرتِ الصَّلاة، وفي القوم رجُلٌ يدْعُوهُ النبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ذا اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيتَ أمْ قُصِرتِ الصَّلاةُ؟ فقالَ: "لمْ أنسَ ولمْ تُقْصَرْ" فقال: بَلى، قدْ نَسِيتَ، فَصَلى ركعتين ثمَّ سلّم، ثمَّ كبّر، ثمَّ سَجَد مثل سُجوده أَوْ أَطْوَل، ثمَّ رفع رأسَهُ فكبر، ثمَّ وَضع رأسَهُ، فكبّرَ، فسَجَدَ مثل سُجوده، أَو أَطوَل، ثمَّ رفع رأسه وكبّر. متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري. وفي رواية لمسلم: صلاة العَصْر. ولأبي داود، فقال: "أَصَدقَ ذو اليدينْ؟" فأَوْمَأُوا: أي نعم، وهي في الصحيحين، لكن بلفظ: فقالوا. وفي رواية لهُ: ولمْ يسْجد حتى يقّنَهُ الله تعالى ذلك.