[رح3] ــــ وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قالَ: "وَالّذي نَفْسي بيدَهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بحَطَبٍ فيحتطب ثُمَّ آمُرُ بالصَّلاةِ فَيُؤدَّنُ لهَا ثُمَّ آمُرُ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النّاسَ ثُمَّ أُخَالِفُ إلى رجَالٍ "لا يَشْهَدُنَ الصَّلاة" فأُحَرِّقُ عَلَيهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالّذي نَفْسي بيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنّهُ يَجِدُ عَرْقاً سَمِيناً أَوْ مِرْمَامتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ" مُتّفقٌ عَلَيْهِ وَاللّفْظُ للْبُخَاريِّ.
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "والذي نفسي بيده) أي في ملكه وتحت تصرفه (لقد هممت) جواب القسم، والإقسام منه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لبيان عظم شأن ما يذكره زجراً عن ترك الجماعة (أن آمر بحطب فيُحطب ثم آمرُ بالصَّلاة فيؤذَّن لها ثمَّ آمرُ رجلاً فيؤُمَّ الناس ثم أُخالِف) في الصحاح خالف إلى فلان أي أتاه إذا غاب عنه (إلى رجال "لا يشهدون الصَّلاة") أي لا يحضرون الجماعة فأُحرق عليهم بيوتهم. والذي نفسي بيده لو يعلم أحدُهم أنه يجد عرقاً) بفتح المهملة وسكون الراء ثم قاف هو العظم إذا كان عليه لحم (سميناً أوْ مرمامتين) تثنية مرماة بكسر الميم فراء ساكنة وقد تفتح الميم وهي ما بين ظلفي الشاة من اللحم (حسنتين) بمهملتين من الحسن (لشهد العِشاء") أي صلاته جماعة (متفق عليه) أي بين الشيخين (واللفظ للبخاري).
والحديث دليل على وجوب الجماعة عيناً لا كفاية إذ قد قام بها غيرهم فلا يستحقون العقوبة، ولا عقوبة إلا على ترك واجب أو فعل محرم.
وإلى أنها فرض عين: ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان ومن أهل البيت أبو العباس وقالت به الظاهرية.
وقال داود: إنها شرط في صحة الصلاة بناءً على ما يختاره من أن كل واجد في الصلاة فهو شرط فيها، ولم يسله له هذا، لأن الشرطية لا بد لها من دليل، ولذا قال أحمد وغيره: إنها واجبة غير شرط.
وذهب أبو العباس تحصيلاً لمذهب الهادي أنها فرض كفاية، وإليه ذهب الجمهور من متقدمي الشافعية، وكثير من الحنفية والمالكية.
وذهب زيد بن علي والمؤيد بالله وأبو حنيفة وصاحباه والناصر إلى أنها سنة مؤكدة.
استدل القائل بالوجوب بحديث الباب، لأن العقوبة البالغة لا تكون إلا على ترك الفرائض، وبغيره من الأحاديث كحديث ابن مكتوم أنه قال: يا رسول الله قد علمت ما بي وليس لي قائد ــــ زاد أحمد ــــ وإن بيني وبين المسجد شجراً ونخلاً ولا أقدر على قائد كل ساعة، قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أتسمع الإقامة؟" قال: نعم، قال: "فاحضرها" أخرجه أحمد وابن خزيمة والحاكم وابن حبان بلفظ "أتسمع الأذان؟ قال: نعم. قال: فاتها ولو حَبْواً" والأحاديث في معناه كثيرة ويأتي حديث ابن أم مكتوم، وحديث ابن عباس، وقد أطلق البخاري الوجوب عليها وبوّبة بقوله: "باب وجوب صلاة الجماعة". وقالوا: هي فرض عين إذ لو كانت فرض كفاية لكان قد أسقط وجوبها فعل النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ومن معه لها.
وأما التحريق في العقوبات بالنار فإنه وإن كان قد ثبت النهي عنه عاماً، فهذا خاص.
وأدلة القائل بأنها فرض كفاية أدلة من قال إنها فرض عين بناءً على قيام الصارف للأدلة على فرض العين إلى فرض الكفاية.
وقد أطال القائلون بالسنية الكلام في الجوابات عن هذا الحديث بما لا يشفي وأقربها أنه خرج مخرج الزجر لا الحقيقة بدليل أنه لم يفعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.
واستدل القائل بالسنية بقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في حديث أبي هريرة "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ" فقد اشتركا في الفضيلة، ولو كانت الفرادى غير مجزئة لما كانت لها فضيلة أصلاً وحديث "إذا صليتما في رحالكما" فأثبت لهما الصلاة في رحالهما ولم يبين أنها إذا كانت جماعة وسيأتي.