[رح5] ـــ وَعَنْهُ رضيَ الله عنه قالَ: أتَى النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رَجُلٌ أعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إنّهُ لَيْسَ لي قَائِدٌ يَقُودُني إلى المَسْجِدِ فَرَخّص لَهُ فَلَمّا وَلّى دَعَاهُ فَقَالَ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: "فَأَجِبْ" رَوَاهُ مُسْلمٌ. (وعنه) أي عن أبي هريرة رضي الله عنه (قال: أتى النبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رجلٌ أعمى) قد وردت بتفسيره الرواية الأخرى وأنه ابن أم مكتوم (قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فرخص له) أي في عدم إتيان المسجد (فلما ولى دعاه فقال: "هل تسمع النداءَ) وفي رواية "الإقامة" (بالصلاة؟" قال: نعم قال: "فأجب" رواه مسلم).
 

كان الترخيص أولاً مطلقاً عن التقييد بسماعه النداء فرخص له ثم سأله هل تسمع النداء قال: نعم فأمره بالإجابة.
ومفهومه أنه إذا لم يسمع النداء كان ذلك عذراً له، وإذا سمعه لم يكن له عذر عن الحضور.
والحديث من أدلة الإيجاب للجماعة عيناً، لكن ينبغي أن يقيد الوجوب عيناً على سامع النداء لتقييد حديث الأعمى وحديث ابن عباس له، وما أطلق من الأحاديث يحمل على المقيد.
وإذا عرفت هذا فاعلم أن الدعوى وجوب الجماعة عيناً أو كفاية، والدليل هو الحديث الهمِّ بالتحريق وحديث الأعمى، وهما إنما دلاّ على وجوب حضور جماعته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في مسجده لسامع النداء وهو أخص من وجوب الجماعة، ولو كانت الجماعة واجبة مطلقاً لبين صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ذلك للأعمى ولقال له انظر من يصلي معك، ولقال في المتخلفين إنهم لا يحضرون جماعته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ولا يجمعون في منازلهم. والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة.
فالأحاديث إنما دلت على وجوب حضور جماعته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عيناً على سامع النداء لا على وجوب مطلق الجماعة كفاية ولا عيناً.
وفيه أنه لا يرخص لسامع النداء عن الحضور وإن كان له عذر فإن هذا ذكر العذر وأنه لا يجد قائداً فلم يعذره إذن.
ويحتمل أن الترخيص له ثابت للعذر، ولكنه أمره بالإجابة ندباً لا وجوباً ليحرز الأجر في ذلك. والمشقة تغتفر بما يجده في قلبه من الروح في الحضور ويدل لكون الأمر للندب أي مع العذر قوله:
[رح6] ـــ وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النّبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قالَ: "مَنْ سَمِعَ النِّداءَ فلم يأت فَلا صَلاةَ لَهُ إلا مِنْ عُذْرٍ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَالدَّارَقُطْنيُّ وابْنُ حِبّانَ وَالحْاكِمُ وَإسْنَادُهُ عَلى شَرْطِ مُسْلمٍ لكنْ رَجّجَ بَعْضُهُمْ وَقْفَهُ.