[رح8] ــــ وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إنّما جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤْتَمَّ بِه، فإذَا كَبّرَ فَكَبِّرُوا وَلا تُكَبِّرُوا حتى يُكبِّرَ، وإذَا رَكَعَ فَارْكَعوا وَلا تَرْكَعُوا حَتى يَرْكَعَ، وإذَا قالَ: سمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإذَا سَجَدَ فاسْجُدُوا وَلا تَسْجُدُوا حَتى يَسْجُدَ، وَإذا صَلى قائماً فَصلُّوا قِيَاماً، وَإذا صلى قاعِداً فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمعينَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهذَا لَفْظُهُ وَأَصلُهُ في الصّحيحيْنِ.
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به فإذا كبّر) أي للإحرام أو مطلقاً فيشمل تكبير النقل (فكبروا ولا تكبروا حتى يكبِّر) زاده تأكيداً لما أفاده مفهوم الشرط كما في سائر الجمل الآتية: (وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع) أي حتى يأخذ من الركوع لا حتى يفرغ منه كما يتبادر من اللفظ (وإذا قال: سمع الله لمنْ حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد؛ وإذا سجد) أخذ في السجود (فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجدَ وإذا صلى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صلى قاعداً) لعذر (فصلوا قُعُوداً أَجمعين") هكذا بالنصب على الحال وهي رواية في البخاري وأكثر الروايات على "أجمعون" بالرفع تأكيداً لضمير الجمع (رواه أبو داود وهذا لفظه وأصله في الصحيحين).
إنما يفيد جعل الإمام مقصوراً على الاتصاف بكونه مؤتماً به لا يتجاوزه المؤتم إلى مخالفته.
والائتمام: الاقتداء والاتباع.
والحديث دل على أن شرعية الإمامة ليقتدى بالإمام، ومن شأن التابع والمأموم أن لا يتقدم متبوعه، ولا يساويه، ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله ويأتي على أثرها بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال، وقد فصل الحديث ذلك بقوله فإذا كبر إلى آخره.
ويقاس ما لم يذكر من أحواله كالتسليم على ما ذكر فمن خالفه في شيء مما ذكر فقد أثم ولا تفسد صلاته بذلك، إلا أنه إن خالف في تكبيرة الإحرام بتقديمها على تكبيرة الإمام فإنها لا تنعقد معه صلاته لأنه لم يجعله إماماً إذ الدخول بها بعده وهي عنوان الاقتداء به واتخاذه إماماً.
واستدل على عدم فساد الصلاة بمخالفته لإمامه لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توعد من سابق الإمام في ركوعه أو سجوده بأن الله يجعل رأسه رأس حمار ولم يأمره بإعادة صلاته ولا قال فإنه لا صلاة له.
ثم الحديث لم يشترط المساواة في النية فدل أنها إذا اختلفت نية الإمام والمأموم كأن ينوي أحدهما فرضاً والآخر نفلاً أو ينوي هذا عصراً والآخر ظهراً أنها تصح الصلاة جماعة وإليه ذهبت الشافعية. ــــ ويأتي الكلام على ذلك في حديث جابر في صلاة معاذ ــــ.
وقوله: "إذا قال سمع الله لمن حمده" يدل أنه الذي يقوله الإمام ويقول المأموم: اللهم ربنا لك الحمد، وقد ورد بزيادة الواو وورد بحذف اللهم والكل جائز، والأرجح العمل بزيادة اللهم وزيادة الواو لأنهما يفيدان معنى زائداً.
وقد احتج بالحديث من يقول إنه لا يجمع الإمام والمؤتم بين التسميع والتحميد وهم الهادية والحنفية، قالوا: ويشرع للإمام والمنفرد التسميع وقد قدمنا هذا.
وقال أبو يوسف ومحمد: يجمع بينهما الإمام والمنفرد ويقول المؤتم: سمع الله لمن حمده لحديث أبي هريرة أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يفعل ذلك، وظاهره منفرداً وإماماً فإن صلاته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مؤتماً نادرة.
ويقال عليه فأين الدليل على أنه يشمل المؤتم فإن الذي في حديث أبي هريرة هذا أنه يحمد.
وذهب الإمام يحيى والثوري والأوزاعي إلى أنه يجمع بينهما الإمام والمنفرد ويحمد المؤتم لمفهوم حديث الباب إذ يفهم من قوله: "فقولوا اللهم.." إلخ أنه لا يقول المؤتم إلا ذلك.
وذهب الشافعي إلى أنه يجمع بينهما المصلي مطلقاً مستدلاً بما أخرجه مسلم من حديث ابن أبي أوفى "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد". الحديث قال: والظاهر عموم أحوال صلاته جماعة ومنفرداً وقد قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ولا حجة في سائر الروايات على الاقتصار إذ عدم الذكر في اللفظ لا يدل على عدم الشرعية، فقوله إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده لا يدل على نفي قول المؤتم سمع الله لمن حمده، وحديث ابن أبي أوفى في حكايته لفعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم زيادة وهي مقبولة، لأن القول غير معارض لها.
وقد روى ابن المنذر هذا القول عن عطاء وابن سيرين وغيرهما فلم ينفرد به الشافعي ويكون قول سمع الله لمن حمده عند رفع رأسه وقوله ربنا لك الحمد عند انتصابه.
وقوله: "فصلوا قعوداً أجمعين" دليل أنه يجب متابعة الإمام في القعود لعذر وأنه يقعد المأموم مع قدرته على القيام. وقد ورد تعليله بأنه فعل فارس والروم أي القيام مع قعود الإمام فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا" وقد ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل وإسحق وغيرهما.
وذهبت الهادوية ومالك وغيرهم إلى أنها لا تصح متابعة القاعد لا قائماً ولا قاعداً لقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا تختلفوا على إمامكم ولا تتابعوه في القعود" كذا في شرح القاضي ولم يسنده إلى كتاب ولا وجدت قوله: "ولا تتابعوه في القعود" في حديث فينظر.
وذهب الشافعي إلى أنها تصح صلاة القائم خلف القاعد ولا يتابعوه في القعود قالوا: لصلاة أصحاب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في مرض موته قياماً حين خرج وأبو بكر قد افتتح الصلاة فقعد عن يساره فكان ذلك ناسخاً لأمره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لهم بالجلوس في حديث أبي هريرة فإن ذلك كان في صلاته حين جحش وانفكت قدمه فكان هذا آخر الأمرين فتعين العمل به كذا قرره الشافعي.
وأجيب: بأن الأحاديث التي أمرهم فيها بالجلوس لم يختلف في صحتها ولا في سياقها. وأما صلاته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في مرض موته، فقد اختلف فيها هل كان إماماً أو مأموماً، والاستدلال بصلاته في مرض موته لا يتم إلا على أنه كان إماماً:
ومنها أنه يحتمل أن الأمر بالجلوس للندب، وتقرير القيام قرينة على ذلك فيكون هذا جمعاً بين الروايتين خارجاً عن المذهبين جميعاً، لأنه يقتضي التخيير للمؤتم بين القيام والقعود.
ومنها أنه قد ثبت فعل ذلك عن جماعة من الصحابة بعد وفاته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنهم أمّوا قعوداً أيضاً منهم أسيد بن حضير وجابر وأفتى به أبو هريرة قال ابن المنذر: ولا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.
وأما حديث "لا يؤمن أحدكم بعدي قاعداً قوماً قياماً" فإنه حديث ضعيف أخرجه البيهقي والدارقطني من حديث جابر الجعفي عن الشعبي عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. [تض]وجابر[/تض] ضعيف جداً وهو مع ذلك مرسل، قال الشافعي: قد علم من احتج به أنه لا حجة فيه لأنه مرسل، ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه ــــ يعني جابراً الجعفي ــــ.
وذهب أحمد بن حنبل في الجمع بين الحديثين إلى أنه ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعداً لمرض يرجى برؤه، فإنهم يصلون خلفه قعوداً، وإذا ابتدأ الإمام الصلاة قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً، سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعداً أم لا، كما في الأحاديث التي في مرض موته، فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يأمرهم بالقعود لأنه ابتدأ إمامهم صلاته قائماً، ثم أمّهم صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في بقية الصلاة قاعداً، بخلاف صلاته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بهم في مرضه الأول فإنه ابتدأ صلاته قاعداً فأمرهم بالقعود وهو جمع حسن.

الموضوع السابق


[رح7] ـــ وَعَنْ يَزيدَ بنِ الأسْودِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنّهُ صَلى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صَلاةَ الصُّبْحِ، فَلَمّا صلى رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا هُوَ برَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا فَدَعَا بِهِمَا، فجيءَ بهمَا تَرْعُدُ فَرَئِصُهُما فَقَالَ لَهُمَا: "مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيا مَعَنَا؟" قالَا: قَدْ صَلّينَا في رحَالِنَا، قالَ: "فلا تَفْعَلا إذَا صَلّيْتُما في رحَالِكُما ثمَّ أَدْرَكْتُما الإمامَ وَلَمْ يُصَلِّ فَصَلِّيَا مَعَهُ فإنها لَكُمَا نَافِلَة" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاللّفْظُ لَهُ والثّلاثَةُ وَصَحّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابنُ حِبّانَ.