[رح12] ــــ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللَّهُ عَنْهَا في قِصّةِ صَلاةِ رَسُول اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بالنّاسِ وَهُوَ مَريضٌ قَالَتْ: "فَجَاءَ حتى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبي بَكْرٍ فَكَانَ يُصَلي بالنّاس جَالِساً وَأَبُو بَكْرٍ قائماً، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بصَلاةِ النّبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وَيَقْتَدي النّاس بصلاةِ أَبي بَكْرٍ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.
 

(وعن عائشة رضي الله عنها في قصة صلاة رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بالناس وهو مريض قالت: فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر) هكذا في رواية البخاري في "باب الرجل يأتم بالإمام" تعيين مكان جلوسه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وأنه عن يسار أبي بكر، وهذا هو مقام الإمام. ووقع في البخاري في "باب حد المريض أن يشهد الجماعة" بلفظ "جلس إلى جنبه" ولم يعين فيه محل جلوسه، لكن قال المصنف: إنه عين المحل في رواية بإسناد حسين "أنه عن يساره" قلت: حيث قد ثبت في الصحيح في بعض رواياته فهي تبين ما أجمل في أخرى، وبه يتضح أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان إماماً (فكان) النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (يصلي بالناس جالساً وأبو بكر) يصلي (قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" متفق عليه).
فيه دلالة على أنه يجوز وقوف الواحد عن يمين الإمام، وإن حضر معه غيره ويحتمل أنه صنع ذلك ليبلغ عنه أبو بكر، أو لكونه كان وإماماً أول الصلاة أو لكون الصف قد ضاق، أو لغير ذلك من المحتملات، ومع عدم الدليل على أنه فعل لواحد منها فالظاهر الجواز على الإطلاق.
وقولها: "يقتدي أبو بكر" يحتمل أن يكون ذلك الاقتداء على جهة الائتمام فيكون أبو بكر إماماً ومأموماً ويحتمل أن يكون أبو بكر إنما كان مبلغاً وليس بإمام.
واعلم أنه قد وقع الاختلاف في حديث عائشة وفي غيره هل كان النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إماماً أو مأموماً ووردت الروايات بما يفيد هذا وما يفيد هذا، لكنا قدمنا ظهور أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان الإمام، فمن العلماء من ذهب إلى الترجيح بين الروايات فرجح أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان الإمام لوجوه من الترجيح مستوفاة في فتح الباري. وفي الشرح بعض من ذلك. وتقدم في شرح الحديث التاسع بعض وجوه ترجيح خلافه.
ومن العلماء من قال بتعدد القصة وأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى تارة إماماً وتارة مأموماً في مرض موته.
هذا: وقد استدل بحديث عائشة هذا وقولها: "يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" أن أبا بكر كان مأموماً إماماً: وقد بوب البخاري على هذا فقال: "باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم".
قال ابن بطال: هذا يوافق قول مسروق والشعبي: أن الصفوف يؤم بعضها بعضاً خلافاً للجمهور.
قال المصنف: قال الشعبي فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رؤوسهم من الركعة أنه أدركها ولو كان الإمام رفع قبل ذلك لأن بعضهم لبعض أئمة.
فهذا يدل أنه يرى أنهم متحملون عن بعضهم بعضاً ما يتحمله الإمام. ويؤيد ما ذهب إليه قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم" وقد تقدم.
وفي رواية مسلم "أن أبا بكر كان يسمعهم التكبير" دليل على أنه يجوز رفع الصوت بالتكبير لاسماع المأمومين فيتبعونه، وأنه يجوز للمقتدي اتباع صوت المكبر، وهذا مذهب الجمهور وفيه خلاف للمالكية.
قال القاضي عياض عن مذهبهم: إن منهم من يبطل صلاة المقتدي ومنهم من لا يبطلها ومنهم من قال إن أذن له بالإسماع صح الاقتداء به وإلا فلا، ولهم تفاصيل غير هذه ليس عليها دليل، وكأنهم يقولون في هذا الحديث إن أبا بكر كان هو الإمام ولا كلام أنه يرفع صوته لإعلام من خلفه.