[رح14] ــــ وَعَنْ عَمْرو بْنِ سَلِمَةَ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ أبي: جِئْتُكُمْ ــــ والله ــــ مِنْ عِنْد النّبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حَقّاً فقال: "فَإذا حَضَرَتِ الصّلاةُ فَلْيُؤذِّنْ أَحَدُكُمْ وليؤمكم أَكثرُكُم قُرآناً" قَال: فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَر قُرْآناً مِنِّي فَقَدَّمُوني بين أيديهم وَأَنَا ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْع سِنِينَ، رَوَاهُ الْبُخَاريُّ وَأَبو دَاوُدَ وَالنّسَائيُّ.
 

(وعن عمرو بن سلمة) بكسر اللام هو أبو يزيد من الزيادة كما قاله البخاري وغيره، وقال مسلم وآخرون: بُريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون المثناة التحتية فدال مهملة هو: عمرو بن سلمة الجرمي بالجيم والراء مخفف قال ابن عبد البر: عمرو بن سلمة أدرك زمن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وكان يؤم قومه على عهد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، لأنه كان أقرأهم للقرآن، وقيل إنه، قدم على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مع أبيه، ولم يختلف في قدوم أبيه نزل عمرو البصرة وروى عنه أبو قلابة وعامر الأحول وأبو الزبير المكي (قال: قال أبي) أي سلمة بن نُفَيْع بضم النون أو ابن لأيْ بفتح اللام وسكون الهمزة على الخلاف في اسمه (جئتكم من عند النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حقاً) نصب على صفة المصدر المحذوف أي نبوة حقاً أو أنه مصدر مؤكد للجملة المتضمنة إذ هو في قوة هو رسول الله حقاً فهو مصدر مؤكد لغيره (قال: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن أَحدكم وليؤمكمْ أَكثركم قرآناً" قال: أي عمرو بن سلمة (فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآناً) وقد ورد بيان سبب أكثرية قرآنيته أنه كان يتلقى الركبان الذين كانوا يفدون إليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ويمرون بعمرو وأهله فكان يتلقى منهم ما يقرأونه وذلك قبل إسلام أبيه وقومه (فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين. رواه البخاري وأبو داود والنسائي).
وفيه دلالة على أن الأحق بالإمامة الأكثر قرآناً ويأتي الحديث بذلك قريباً.
وفيه أن الإمامة أفضل من الأذان لأنه لم يشترط في المؤذن شرطاً.
وتقديمه وهو ابن سبع سنين دليل لما قاله الحسن البصري والشافعي وإسحاق من أنه لا كراهة في إمامة المميز.
وكرهها مالك والثوري.
وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان والمشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض.
وقال بعدم صحتها الهادي والناصر وغيرهما قياساً على المجنون قالوا: ولا حجة في قصة عمرو هذه لأنه لم يرو أن ذلك كان من أمره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ولا تقريره.
وأجيب بأن دليل الجواز وقوع ذلك في زمن الوحي ولا يقرر فيه على فعل ما لا يجوز، سيما في الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام، وقد نبه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بالوحي على القذى الذي كان في نعله، فلو كان إمامة الصبي لا تصح لنزل الوحي بذلك، وقد استدل أبو سعيد وجابر بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل.
والوفد الذين قدّموا عمراً كانوا جماعة من الصحابة قال ابن حزم: ولا نعلم لهم مخالفاً في ذلك، واحتمال أنه أمهم في نافلة يبعده سياق القصة فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم علمهم الأوقات للفرائض ثم قال لهم: "إنه يؤمكم أكثركم قرآناً" وقد أخرج أبو داود في سننه قال عمرو: "فما شهدت مشهداً في جرم ــــ اسم قبيلة ــــ إلا كنت إمامهم" وهذا يعم الفرائض والنوافل.
قلت: يحتاج من ادّعى التفرقة بين الفرض والنفل وأنه تصح إمامة الصبي في هذا دون ذلك إلى دليل.
ثم الحديث فيه دليل على القول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل كذا في الشرح وفيه تأمل.

الموضوع التالي


[رح15] ــــ وَعَنْ أبن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يَؤُمُّ القْوَمْ أَقْرَؤهُمْ لِكِتابِ الله تعالى، فإنْ كَانُوا في الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بالسّنّةِ، فَإنْ كَانُوا في السُنّةِ سَواءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فإنْ كَانُوا في الهجرة سَوَاءً فأَقْدَمُهُمْ سِلْماً ــــ وَفي روَاية سِنّاً ــــ ولا يَؤُمّنّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، ولا يَقْعُدُ في بَيْتِهِ عَلى تَكْرمَتِهِ إلّا بإذْنِهِ" رَوَاهُ مُسْلمٌ.