[رح15] ــــ وَعَنْ أبن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يَؤُمُّ القْوَمْ أَقْرَؤهُمْ لِكِتابِ الله تعالى، فإنْ كَانُوا في الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بالسّنّةِ، فَإنْ كَانُوا في السُنّةِ سَواءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فإنْ كَانُوا في الهجرة سَوَاءً فأَقْدَمُهُمْ سِلْماً ــــ وَفي روَاية سِنّاً ــــ ولا يَؤُمّنّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، ولا يَقْعُدُ في بَيْتِهِ عَلى تَكْرمَتِهِ إلّا بإذْنِهِ" رَوَاهُ مُسْلمٌ.
 

(وعن أبن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يؤمُّ القوم أَقرؤهم لكتاب الله تعالى) الظاهر أن المراد أكثرهم له حفظاً وقيل أعلمهم بأحكامه والحديث الأول يناسب القول الأول (فإن كانوا في القراءَة سواءً فأَعلمهم بالسُّنة، فإن كانوا في السُّنة سواءً فأَقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأَقدمهم سِلْماً) أي إسلاماً، وفي رواية "سناً" عوضاً عن سلماً (ولا يؤمن الرجلُ الرجل في سلطانهِ، ولا يقعد في بيته على تكرمته) بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء: الفراش ونَحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويختص به (إلا بإذنه" رواه مسلم).
الحديث دليل على تقديم الأقرأ على الأفقه وهومذهب أبي حنيفة وأحمد.
وذهب الهادوية إلى أنه يقدم الأفقه على الأقرأ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد تعرض له في الصلاة أمور لا يقدر على مراعاتها إلا كامل الفقه، قالوا: ولهذا قدم صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أبا بكر على غيره مع قوله: "أقرؤكم أبيّ"، قالوا: والحديث خرج على ما كان عليه حال الصحابة من أن الأقرأ هو الأفقه وقد قال[اث] ابن مسعود[/اث]: ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف حكمها وأمرها ونهيها.
ولا يخفى أنه يبعد هذا قوله: "فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة" فإنه دليل على تقديم الأقرأ مطلقاً، والأقرأ على ما فسروه به هو الأعلم بالسنة فلو أريد به ذلك لكان القسمان قسماً واحداً.
وقوله: "فأقدمهم هجرة" هو شامل لمن تقدم هجرة سواء ما كان في زمنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أو بعده كمن يهاجر في دار الكفار إلى دار الإسلام. وأما حديث "لا هجرة بعد الفتح" فالمراد من مكة إلى المدينة لأنهما جميعاً صارا دار إسلام ولعله يقال: وأولاد المهاجرين لهم حكم آبائهم في التقديم.
وقوله "سلماً" أي من تقدم إسلامه يقدم على من تأخر.
وكذا رواية "سناً" أي الأكبر في السن وقد ثبت في حديث مالك بن الحويرث "ليؤمكم أكبركم".
ومن الذين يستحقون التقديم قريش لحديث "قدموا قريشاً": قال الحافظ المصنف: إنه قد جمع طرقه في جزء كبير.
ومنهم الأحسن وجهاً لحديث ورد به وفيه راو ضعيف.
وأما قوله: "ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه" فهو نهي عن تقديم غير السلطان عليه والمراد ذو الولاية سواء كان السلطان الأعظم أو نائبه وظاهره وإن كان غيره أكثر قرآناً وفقهاً فيكون هذا خاصاً، وأول الحديث عام، ويلحق بالسلطان صاحب البيت لأنه ورد في صاحب البيت بخصوصه بأنه الأحق. أخرج الطبراني من حديث ابن مسعود: "لقد علمت أن من السنة أن يتقدم صاحب البيت". قال المصنف: رجاله ثقات.
وأما إمام المسجد فإن كان عن ولاية من السلطان أو عامله فهو داخل في حكم السلطان وإن كان باتفاق من أهل المسجد فيحتمل أنه يصير بذلك أحق وأنها ولاية خاصة، وكذلك النهي عن القعود مما يختص به السلطان في منزله أو الرجل من فراش وسرير ونحوه ولا يقعد فيه أحد إلا بإذنه، ونحوه قوله:
[رح16] ــــ وَلابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَديثِ جَابِرٍ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ "وَلا تَؤُمّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلاً، وَلا أَعْرَابيٌّ مُهَاجراً، وَلَا فَاجِرٌ مؤْمِناً" وإسْنَادُهُ وَاهٍ.