[رح24]ــــ وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "إذَا سَمِعْتُمْ الإقامة فَامْشُوا إلى الصلاة وَعليكُم السّكينةُ والوقَارُ وَلا تُسْرعُوا فَما أَدْركْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكمْ فَأتمُّوا". مُتّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللفْظ للْبُخاريِّ.
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا سمعتم الإقامة) أي للصلاة (فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم السكينة) قال النووي: السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث (والوقار) في الهيئة كغض الطرف وخفض الصوت وعدم الالتفات، وقيل معناهما واحد وذكر الثاني تأكيداً وقد نبه في رواية مسلم على الحكمة في شرعية هذا الأدب بقوله في آخر حديث أبي هريرة هذا "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فإنه في صلاة" أي فإنه في حكم المصلي، فينبغي اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي له اجتنابه (ولا تسرعوا فما أدركْتُم) من الصلاة مع الإمام (فصلوا وما فاتكم فأتموا" متفق عليه واللفظ للبخاري).
فيه الأمر بالوقار وعدم الإسراع في الإتيان إلى الصلاة، وذلك لتكثير الخطأ فينال فضيلة ذلك فقد ثبت عند مسلم من حديث جابر "إن بكل خطوة يخطوها إلى الصلاة درجة" وعند أبي داود مرفوعاً "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فليقرب أحدكم أو ليبعد فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن جاء وقد صلوا بعضاً وبقي بعض فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة، كان كذلك".
وقوله "فما أدركتم فصلوا" جواب شرط محذوف أي: إذا فعلتم ما أمرتم به من ترك الإسراع ونحوه فما أدركتم فصلوا.
وفيه دلالة على أن فضيلة الجماعة يدركها ولو دخل مع الإمام في أي جزء من أجزاء الصلاة ولو دون ركعة وهو قول الجمهور.
وذهب آخرون إلى أنه لا يصير مدركاً لها إلا بإدراك ركعة لقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها" وسيأتي في الجمعة اشتراط إدراك ركعة ويقاس عليها غيرها.
وأجيب بأن ذلك في الأوقات لا في الجماعة وبأن الجمعة مخصوصة فلا يقاس عليها.
واستدل بحديث الباب على صحة الدخول مع الإمام في أي حالة أدركه عليها، وقد أخرج ابن أبي شيبة مرفوعاً "من وجدني راكعاً أو قائماً أو ساجداً فليكن معي على حالتي التي أنا عليها".
قلت: وليس فيه دلالة على اعتداده بما أدركه مع الإمام، ولا على إحرامه في أي حالة أدركه عليها، بل فيه الأمر بالكون معه، وقد أخرج الطبراني في الكبير برجال موثقين ــــ كما قال الهيثمي ــــ عن علي وابن مسعود قالا: "من لم يدرك الركعة فلا يعتد بالسجدة" وأخرج أيضاً في الكبير ــــ قال الهيثمي أيضاً برجال موثقين ــــ من حديث زيد بن وهب قال: دخلت أنا وابن مسعود المسجد والإمام راكع فركعنا، ثم مشينا حتى استوينا بالصف فلما فرغ الإمام قمت أقضي فقال: قد أدركته.
وهذه آثار موقوفة، وفي الآخر دليل ــــ أي مأنوس ــــ بما ذهب، وهو أحد احتمالات حديث أبي بكرة وإلا فإنها آثار موقوفة ليست بأدلة على ما ذهب إليه ابن الزبير وقد تقدم.
وورد في بعض الروايات حديث الباب بلفظ "فاقضوا" عوض "أتموا" والقضاء يطلق على أداء الشيء فهو في معنى "أتموا" فلا مغايرة.
ثم قد اختلف العلماء فيما يدركه اللاحق مع إمامه هل هي أول صلاته أو آخرها؟ والحق أنها أولها وقد حققناه في حواشي ضوء النهار.
واختلف فيما إذا أدرك الإمام راكعاً فركع معه هل تسقط قراءة تلك الركعة عند من أوجب الفاتحة فيعتد بها أو لا تسقط فلا يعتد بها؟ قيل: يعتد بها لأنه قد أدرك الإمام قبل أن يقيم صلبه، وقيل: لا يعتد بها لأنه فاتته الفاتحة وقد بسطنا القول في ذلك في مسألة مستقلة وترجح عندنا الإجزاء.. ومن أدلته حديث أبي بكرة حيث ركع وهم ركوع، ثم أقره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على ذلك وإنما نهاه عن العودة إلى الدخول قبل الانتهاء إلى الصف كما عرفت.