[رح1] ــــ عَنْ عائشَةَ رَضيَ اللَّهُ عنْها قالتْ: "أول ما فُرضَت الصلاةُ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّت صَلاةُ السّفَر وَأُتِمّتْ صَلاةُ الحضَر" مُتّفَقٌ عَلَيه، وللبُخاريِّ "ثم هَاجَرَ فَفُرضَتْ أرْبعاً وأُقِرّت صَلاةُ السّفَر على الأوّل" زَادَ أَحْمَدُ "إلَّا المغْربَ فإنّها وتْرُ النّهار، وَإلَّا الصُّبْحَ فإنّها تطَوَّلُ فِيها القِراءَةُ".
 

(عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول ما فرضت الصلاة) ما عدا المغرب (ركعتين) أي حضراً وسفراً (فأقرت) أي أقر الله (صلاة السفر) بإبقائها ركعتين (وأتمت صلاة الحضر) ما عدا المغرب، يزيد في الثلاث الصلوات ركعتين، والمراد بأتمت: زيد فيها حتى كانت تامة بالنظر إلى صلاة السفر (متفق عليه، وللبخاري) وحده عن عائشة (ثم هاجر) أي النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (ففرضت أربعاً) أي صارت أربعاً بزيادة اثنتين. (وأقرت صلاة السفر على الأول) أي على الفرض الأول (زاد أحمد: إلا المغرب) أي زاده من رواية عن عائشة بعد قولها: أول ما فرضت الصلاة أي إلا المغرب فإنها فرضت ثلاثاً (فإنها) أي المغرب (وتر النهار) ففرضت وتراً ثلاثاً من أول الأمر (وإلا الصبح فإنها تطوَّل فيها القراءة).
في هذا الحديث دليل على وجوب القصر في السفر لأن "فرضت" بمعنى وجبت، ووجوبه مذهب الهادوية والحنفية وغيرهم.
وقال الشافعي وجماعة: إنه رخصة والتمام أفضل وقالوا: فرضت بمعنى قدرت أو فرضت لمن أراد القصر. واستدلوا بقوله تعالى: {فليسَ عليكمْ جناحٌ أن تقصروا من الصلاة}. وبأنه سافر أصحاب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم معه فمنهم من يقصر ومنهم من يتم ولا يعيب بعضهم على بعض، وبأن عثمان كان يتم، وكذلك عائشة أخرج ذلك مسلم.
وردَّ بأن هذه أفعال صحابة لا حجة فيها، وبأنه أخرج الطبراني في الصغير من حديث ابن عمر موقوفاً "صلاة السفر ركعتان نزلتا من السماء فإن شئتم فردوهما" قال الهيثمي: رجاله موثوقون، وهو توقيف إذ لا مسرح فيه للاجتهاد، وأخرج أيضاً عنه في الكبير برجال الصحيح "صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر".
وفي قوله "السنة" دليل على رفعه كما هو معروف، قال ابن القيم في الهدى النبوي: كان يقصر صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في السفر البتة.
وفي قولها "إلا المغرب" دلالة على أن شرعيتها في الأصل ثلاثاً لم تتغير.
وقولها "إنها وتر النهار" أي صلاة النهار كانت شفعاً والمغرب آخرها لوقوعها في آخر جزء من النهار فهي وتر صلاة النهار، كما أنه شرع الوتر لصلاة الليل، والوتر محبوب إلى الله تعالى كما تقدم في الحديث "إن الله وتر يحب الوتر".
وقولها: "إلا الصبح فإنها تطوَّل فيها القراءة". تريد أن لا يقصر في صلاتها، فإنها ركعتان حضراً وسفراً، لأنه شرع فيها تطويل القراءة ولذلك عبر عنها في الآية بقرآن الفجر لما كانت معظم أركانها لطولها فيها فعبر عنها بها من إطلاق الجزء الأعظم على الكل.