[رح6] ــــ وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضيَ الله عَنْهُمَا قالَ: "أقامَ النّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم تسعة عَشَرَ يَقْصُرُ" وفي لَفْظٍ "بمكّةَ تسْعَةَ عَشَرَ يَوْماً" رَوَاهُ البخاريُّ، وفي روايةٍ لأبي داوُدَ "سَبْعَ عشرةَ" وفي أُخرى "خَمْس عشْرَةَ".
 

(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقام النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم تسعة عشر يوماً يقصر وفي لفظ) تعيين محل الإقامة وأنه (بمكة تسعة عشر يوماً. رواه البخاري وفي رواية لأبي داود) أي عن ابن عباس (سبع عشرة) بالتذكير في الرواية الأولى لأنه ذكر مميزه يوماً وهو مذكر، وبالتأنيث في رواية أبي داود لأنه حذف مميزه، وتقديره ليلة، وفي رواية لأبي داود عنه تسعة عشر كالرواية الأولى (وفي أخرى) أي لأبي داود عن ابن عباس (خمس عشرة).
[رح7] ــــ وَلَهُ عنْ عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضَيَ اللَّهُ عنهما "ثَمَانيَ عَشَرَةَ".
(وله) أي لأبي داود:
(عن عمران بن حصين رضي الله عنهما ثماني عشرة) ولفظه عند أبي داود "شهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول: يا أهل البلد صلوا أربعاً فإنا قوم سفر".
رح8] ـــ وله عَنْ جابرٍ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أقامَ بتَبُوكَ عشِرينَ يَوْماً يَقْصرُ الصَّلاة" وَروَاتُهُ ثِقَاتٌ إلّا أنّهُ اخْتُلِفَ في وَصْلِهِ.
(وله) أي لأبي داود.
(عن جابر رضي الله عنه "أقام) أي النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة) ، ورواته ثقات إلا أنه اختلف في وصله" فوصله معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان عن جابر قال أبو داود: غير معمر لا يسنده فأعله الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع.
قال المصنف رحمه الله: وقد أخرجه البيهقي بلفظ "بضع عشرة".
واعلم أن أبا داود ترجم لباب هذه الأحاديث "باب متى يتم المسافر" ثم ساقها وفيها كلام ابن عباس "من أقام سبعة عشر قصر ومن أقام أكثر أتم".
وقد اختلف العلماء في قدر مدّة الإقامة التي إذا عزم المسافر على إقامتها أتم فيها الصلاة على أقوال.
فقال ابن عباس وإليه ذهب الهادوية: إن أقل مدة الإقامة عشرة أيام لقول علي عليه السلام: "إذا أقمت عشراً فأتم الصلاة" أخرجه المؤيد في شرح التجريد من طرق فيها ضرار بن صرد قال المصنف في التقريب: إنه غير ثقة. قالوا: وهو توقيف.
وقالت الحنفية: خمسة عشر يوماً مستدلين بإحدى روايات ابن عباس وبقوله وقول ابن عمر: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة.
وذهبت المالكية والشافعية إلى أن أقلها أربعة أيام وهو مروي عن عثمان والمراد غير يوم الدخول والخروج، واستدلوا بمنعه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم المهاجرين بعد مضي النسك أن يزيدوا عن ثلاثة أيام في مكة فدل على أنه بالأربعة الأيام يصير مقيماً؛ وثم أقوال أخر لا دليل عليها.
وهذا كله فيمن دخل البلد عازماً على الإقامة فيها.
وأما من تردد في الإقامة ولم يعزم ففيه خلاف أيضاً.
فقالت الهادوية: يقصر إلى شهر لقول علي عليه السلام: "إنه من يقول: اليوم أخرج؛ غداً أخرج. يقصر الصلاة شهراً".
وذهب أبو حنيفة وأصحابه وهو قول للشافعي وقال به الإمام يحيى إلى أنه يقصر أبداً إذ الأصل السفر، ولفعل ابن عمر فإنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وروي عن أنس بن مالك أنه أقام بنيسابور سنة أو سنتين يقصر الصلاة، وعن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة.
ومنهم من قدّر ذلك بخمسة عشر وسبعة عشر وثمانية عشر على حسب ما وردت الروايات في مدة إقامته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في مكة وتبوك وأنه بعد ما يجاوز مدة ما روي عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يتم صلاته.
ولا يخفى أنه لا دليل في المدة التي قصر فيها على نفي القصر فيما زاد عليها، وإذا لم يقم دليل على تقدير المدة فالأقرب أنه لا يزال يقصر كما فعله الصحابة، لأنه لا يسمى بالبقاء مع التردد كل يوم في الإقامة والرحيل مقيماً وإن طالت المدة، ويؤيده ما أخرجه البيهقي في السنن عن ابن عباس: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أقام بتبوك أربعين يوماً يقصر الصلاة". ثم قال: تفرد به الحسين بن عمارة وهو غير محتج به.

الموضوع التالي


[رح9] ــــ وَعَنْ أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: "كانَ رسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا ارْتَحَل قَبْلَ أَنْ تَزيغَ الشّمسُ أَخّرَ الظُّهرَ إلى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُما، فإنْ زَاغَتْ الشّمْسُ قَبْلَ أنْ يَرْتَحِلَ صلى الظهْرَ ثُمَّ رَكبَ" مُتّفَقٌ عَلَيه، وفي رواية الحاكم في الأرْبعينَ بإسْنادِ الصَّحْيح: "صلى الظُّهْر والعَصْرَ ثمَّ رَكِبَ" وَلأبي نُعيم في مُسْتَخْرَجِ مُسلمٍ "كانَ إذَا كانَ في سفَرٍ فَزَالَت الشّمْسُ صلى الظهْرَ والْعَصْرَ جميعاً ثمَّ ارتَحَلَ".