[رح9] ــــ وَعَنْ أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: "كانَ رسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا ارْتَحَل قَبْلَ أَنْ تَزيغَ الشّمسُ أَخّرَ الظُّهرَ إلى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُما، فإنْ زَاغَتْ الشّمْسُ قَبْلَ أنْ يَرْتَحِلَ صلى الظهْرَ ثُمَّ رَكبَ" مُتّفَقٌ عَلَيه، وفي رواية الحاكم في الأرْبعينَ بإسْنادِ الصَّحْيح: "صلى الظُّهْر والعَصْرَ ثمَّ رَكِبَ" وَلأبي نُعيم في مُسْتَخْرَجِ مُسلمٍ "كانَ إذَا كانَ في سفَرٍ فَزَالَت الشّمْسُ صلى الظهْرَ والْعَصْرَ جميعاً ثمَّ ارتَحَلَ".
 

(وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا ارتحل) في سفره (قبل أن تزيغ الشمس) أي قبل الزوال (أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر) أي وحده ولا يضم إليه العصر (ثم ركب. متفق عليه).
الحديث فيه دليل على جواز الجمع بين الصلاتين للمسافر تأخيراً، ودلالة على أنه لا يجمع بينهما تقديماً، لقوله "صلى الظهر" إذ لو جاز مع التقديم لضم إليه العصر، وهذا الفعل منه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يخصص أحاديث التوقيت التي مضت.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الهادوية وهو قول ابن عباس وابن عمر وجماعة من الصحابة، وروي عن مالك وأحمد والشافعي إلى جواز الجمع للمسافر تقديماً وتأخيراً عملاً بهذا الحديث في التأخير وبما يأتي في التقديم.
وعن الأوزاعي أنه يجوز للمسافر جمع التأخير فقط عملاً بهذا الحديث، وهو مروي عن مالك وأحمد بن حنبل واختاره أبو محمد بن حزم.
وذهب النخعي والحسن وأبو حنيفة إلى أنه لا يجوز الجمع لا تقديماً ولا تأخيراً للمسافر وتأولوا ما ورد من جمعه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بأنه جمع صوري وهو أنه أخر الظهر إلى آخر وقتها وقدم العصر في أول وقتها ومثله العشاء.
ورد عليهم بأنه وإن تمشى لهم هذا في جمع التأخير لم يتم لهم في جمع التقديم الذي أفاد قوله (وفي رواية الحاكم في الأربعين بإسناد الصحيح صلى الظهر والعصر) أي إذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الفريضتين معاً (ثم ركب) فإنها أفادت ثبوت جمع التقديم من فعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ولا يتصوّر فيه الجمع الصوري (و) مثله الرواية التي (لأبي نعيم في مستخرج مسلم) أي في مستخرجه على صحيح مسلم (كان) أي النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل) فقد أفادت رواية الحاكم وأبي نعيم ثبوت جمع التقديم أيضاً وهما روايتان صحيحتان كما قال المصنف إلا أنه قال ابن القيم إنه اختلف في رواية الحاكم، فمنهم من صححها ومنهم من حسنها ومنهم من قدح فيها وجعلها موضوعة وهو الحاكم فإنه حكم بوضعها، ثم ذكر كلام الحاكم في بيان وضع الحديث ثم رده ابن القيم واختار أنه ليس بموضوع، وسكوت المصنف هنا عليه وجزمه بأنه بإسناد صحيح يدل على رده لكلام الحاكم ويؤيد صحته قوله: