[رح10] ــــ وَعَنْ مُعاذٍ رضيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: "خَرَجْنَا معَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في غَزْوَة تَبوكَ فكان يُصَلي الظُّهْرَ والعصرَ جميعاً والمغْربَ وَالعِشَاءَ جميعاً" رَوَاهُ مُسْلمٌ.
 

إلا أن اللفظ محتمل لجمع التأخير لا غير أوله ولجمع التقديم، ولكن قد رواه الترمذي بلفظ "كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعاً" فهو كالتفصيل لمجمل رواية مسلم إلا أنه قال الترمذي بعد إخراجه: إنه حديث حسن غريب تفرد به قتيبة لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيره قال: والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث ابن الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. اهـ.
إذا عرفت هذا فجمع التقديم في ثبوت روايته مقال إلا رواية المستخرج على صحيح مسلم فإنه لا مقال فيها.
وقد ذهب ابن حزم إلى أنه يجوز جمع التأخير لثبوت الرواية به لا جمع التقديم، وهو قول النخعي ورواية عن مالك وأحمد.
ثم إنه قد اختلف في الأفضل للمسافر هل الجمع أو التوقيت فقالت الشافعية: ترك الجمع أفضل. وقال مالك: إنه مكروه، وقيل: يختص بمن له عذر.
واعلم أنه كما قال ابن القيم في الهدي النبوي: لم يكن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يجمع راتباً في سفره كما يفعله كثير من الناس، ولا يجمع حال نزوله أيضاً، وإنما كان يجمع إذا جدّ به السير، وإذا سار عقيب الصلاة كما في أحاديث تبوك، وأما جمعه وهو نازل غير مسافر فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة ومزدلفة لأجل اتصال الوقوف، كما قال الشافعي وشيخنا وجعله أبو حنيفة من تمام النسك وأنه سببه، وقال أحمد ومالك والشافعي: إن سبب الجمع بعرفة ومزدلفة السفر.
وهذا كله في الجمع في السفر.
وأما الجمع في الحضر فقال الشارح بعد ذكر أدلة القائلين بجوازه فيه: إنه ذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يجوز الجمع في الحضر لما تقدم من الأحاديث المبينة لأوقات الصلوات، ولما تواتر من محافظة النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على أوقاتها حتى قال ابن مسعود: ما رأيت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذٍ قبل ميقاتها".
وأما حديث ابن عباس عند مسلم: أنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته" فلا يصح الاحتجاج به لأنه غير معين لجمع التقديم والتأخير كما هو ظاهر رواية مسلم وتعيين واحد منها تحكم فوجب العدول عنه إلى ما هو واجب من البقاء على العموم في حديث الأوقات للمعذور وغيره وتخصيص المسافر لثبوت المخصص وهذا هو الجواب الحاسم.
وأما ما يروى من الآثار عن الصحابة والتابعين فغير حجة إذ للاجتهاد في ذلك مسرح، وقد أول بعضهم حديث ابن عباس بالجمع الصوري واستحسنه القرطبي ورجحه وجزم به ابن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيد الناس لما أخرجه الشيخان عن عمرو بن دينار ــــ رواي الحديث ــــ عن أبي الشعثاء قال: قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال: وأنا أظنه. قال ابن سيد الناس: وراوي الحديث أدرى بالمراد منه من غيره، وإن لم يجزم أبو الشعثاء بذلك.
وأقول إنما هو ظن من الراوي والذي يقال فيه: أدرى بما روى إنما يجري في تفسيره للفظ مثلاً. على أن في الدعوى نظراً، فإن قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" يرد عمومها، نعم يتعين هذا التأويل فإنه صرح به النسائي في أصل حديث ابن عباس ولفظه: "صليت مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بالمدينة ثمانياً جمعاً وسبعاً جمعاً أخر الظهر وعجل العصر وآخر المغرب وعجل العشاء". والعجب من النووي كيف ضعف هذا التأويل وغفل عن متن الحديث المروي، والمطلق في رواية يحمل على المقيد إذا كانا في قصة واحدة. كما في هذا:
والقول بأن قوله: "أراد أن لا يحرج أمته" يضعف هذا الجمع الصوري لوجود الحرج فيه مدفوع بأن ذلك أيسر من التوقيت إذ يكفي للصلاتين تأهب واحد وقصد واحد إلى المسجد ووضوء واحد بحسب الأغلب بخلاف الوقتين فالحرج في هذا الجمع لا شك أخف.
وأما قياس الحاضر على المسافر كما قيل فوهم، لأن العلة في الأصل هي السفر، وهو غير موجود في الفرع وإلا لزم مثله في القصر والفطر اهـ.
قلت: وهو كلام رصين وقد كنا ذكرنا ما يلاقيه في رسالتنا "اليواقيت في المواقيت" قبل الوقوف على كلام الشارح ــــ رحمه الله وجزاه خيراً ــــ ثم قال: واعلم أن جمع التقديم فيه خطر عظيم وهو كمن صلى صلاة قبل دخول وقتها فيكون حال الفاعل كما قال تعالى: {هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً} الآية من ابتدائها وهذه الصلاة المقدمة لا دلالة عليها بمنطوق ولا مفهوم ولا عموم ولا خصوص.

الموضوع السابق


[رح9] ــــ وَعَنْ أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: "كانَ رسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا ارْتَحَل قَبْلَ أَنْ تَزيغَ الشّمسُ أَخّرَ الظُّهرَ إلى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُما، فإنْ زَاغَتْ الشّمْسُ قَبْلَ أنْ يَرْتَحِلَ صلى الظهْرَ ثُمَّ رَكبَ" مُتّفَقٌ عَلَيه، وفي رواية الحاكم في الأرْبعينَ بإسْنادِ الصَّحْيح: "صلى الظُّهْر والعَصْرَ ثمَّ رَكِبَ" وَلأبي نُعيم في مُسْتَخْرَجِ مُسلمٍ "كانَ إذَا كانَ في سفَرٍ فَزَالَت الشّمْسُ صلى الظهْرَ والْعَصْرَ جميعاً ثمَّ ارتَحَلَ".