[رح7] ــــ وَعَنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضيَ الله عَنْهُما قال: "كان رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا خطب احمَرَّت عَيْناه، وَعَلا صَوْتُهُ، واشْتَدَّ غَضَبُهُ، حتى كأنهُ مُنذرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبّحَكم وَمَسّاكمْ" ويقولُ: "أَمّا بَعْدُ فإنّ خَيْرَ الحديث كِتابُ اللَّهِ، وَخَيرَ الْهَدي هُدَى محمّد، وشَرَّ الأُمور مُحْدَثَاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ" رواهُ مُسلمٌ، وفي روايةٍ لهُ: "كانت خطبَةُ النّبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَوْمَ الْجُمْعَة يَحْمَدُ الله ويُثني عَليه ثمَّ يقولُ عَلى أَثر ذلك وَقد عَلا صَوتُهُ". وفي رواية لهُ: "مَنْ يَهْده الله فلا مُضلَّ لهُ، وَمَنْ يُضلِل فلا هاديَ لهُ" وللنسائي: "وكلَّ ضَلالة في النّار".
 

(وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم" ويقول: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهُدى هدَى محمد) قال النووي: ضبطناه في مسلم بضم الهاء وفتح الدال فيهما وبفتح الهاء وسكون الدال فيهما وفسره الهروي على رواية الفتح بالطريق أي أحسن الطريق طريق محمد. وعلى رواية الضم معناه الدلالة والإرسال وهو الذي يضاف إلى الرسل وإلى القرآن قال تعالى: {وإنك لتهدي} (الشورى: 52) {إن هذا القران يهدي} (الإسراء: 9) وقد يضاف إليه تعالى وهو بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة {إنك لا تهدي من أحببت} (القصص: 56) الآية (وشر الأمور محدثاتها) المراد بالمحدثات ما لم يكن ثابتاً بشرع من الله ولا من رسوله (وكل بدعة ضلالةٌ") البدعة لغة: ما عمل على غير مثال سابق، والمراد بها هنا: ما عمل من دون أن يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة (رواه مسلم).
وقد قسم العلماء البدعة على خمسة أقسام: واجبة ــــ كحفظ العلوم بالتدوين والرد على الملاحدة بإقامة الأدلة، ومندوبة ــــ كبناء المدارس، ومباحة ــــ كالتوسعة في ألوان الطعام وفاخر الثياب، ومحرّمة ومكروهة وهما ظاهران؛ فقوله: "كل بدعة ضلالة" عام مخصوص.
وفي الحديث دليل على أنه يستحب للخطيب أن يرفع بالخطبة صوته ويجزل كلامه ويأتي بجوامع الكلم من الترغيب والترهيب ويأتي بقوله: أما بعد وقد جمع البخاري باباً في استحبابها وذكر فيه جملة من الأحاديث وقد جمع الروايات التي فيها ذكر "أما بعد" لبعض المحدثين وأخرجها على اثنين وثلاثين صحابياً وظاهره أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يلازمها في جميع خطبه وذلك بعد حمد الله والثناء والتشهد كما تفيده الرواية المشار إليها بقوله: "وفي رواية له" أي لمسلم عن جابر بن عبد الله "كانت خطبة النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يوم الجمعة: يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته" حذف المقول اتكالا على ما تقدم وهو قوله: "أما بعد فإن خير الحديث" إلى آخر ما تقدم.
ولم يذكر الشهادة اختصاراً لثبوتها في غير هذه الرواية فقد ثبت أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" وفي دلائل النبوة للبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعاً حكاية عن الله عز وجل "وجعلت أمتك لا يجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي" وكان يذكر في تشهد نفسه باسمه العلم (وفي رواية له) أي لمسلم عن جابر ("من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له") أي أنه يأتي بهذه الألفاظ بعد "أما بعد" (وللنسائي) أي عن جابر ("وكل ضلالة في النار") أي بعد قوله "كل بدعة ضلالة" كما هو في النسائي واختصره المصنف والمراد صاحبها.
وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين، ويذكر معالم الشرائع في الخطبة، والجنة والنار والمعاد ويأمر بتقوى الله ويحذر من غضبه ويرغب في موجبات رضاه.
وقد ورد قراءة آية في حديث مسلم: كان لرسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القران ويذكر الناس ويحذر" وظاهره محافظته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على ما ذكر في الخطبة، ووجوب ذلك لأن فعله بيان لما أجمل في آية الجمعة، وقد قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وذهب إلى هذا الشافعي.
وقالت الهادوية: لا يجب في الخطبة إلا الحمد والصلاة على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في الخطبتين جميعاً.
وقال أبو حنيفة: يكفي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وقال مالك: لا يجزيء إلا ما سمي خطبة.