[رح11] ــــ عن أَبي هُريرَة رضي اللَّهُ عنْهُ في الصّحيحيّنِ مَرْفوعاً "إذا قُلْتَ لِصاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الجُمُعَةِ والإمامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ". في قوله "يوم الجمعة" دلالة على أن خطبة غير الجمعة ليست مثلها ينهى عن الكلام حالها.
 

وقوله "والإمام يخطب" دليل على أنه يختص النهي بحال الخطبة، وفيه رد على من قال إنه ينهى من حال خروج الإمام.
وأما الكلام عند جلوسه بين الخطبتين فهو غير خاطب فلا ينهى عن الكلام حاله. وقيل هو وقت يسير يشبه بالسكوت للتنفس فهو في حكم الخاطب.
وإنما شبه بالحمار يحمل أسفاراً لأنه فاته الانتفاع بأبلغ نافع وقد تكلف المشقة وأتعب نفسه في حضور الجمعة، والمشبه به كذلك فاته الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه.
وفي قوله "ليست له جمعة" دليل على أنه لا صلاة له فإن المراد بالجمعة الصلاة إلا أنها تجزئة إجماعاً فلا بد من تأويل هذا بأنه نفي للفضيلة التي يحوزها من أنصت وهو كما في حديث ابن عمر الذي أخرجه أبو داود وابن خزيمة بلفظ "من لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً" قال ابن وهب أحد رواته: معناه أجزأته الصلاة وحرم فضيلة الجماعة.
وقد احتج بالحديث من قال بحرمة الكلام حال الخطبة وهم الهادوية وأبو حنيفة ومالك ورواية عن الشافعي فإن تشبيهه بالمشبه به المستنكر وملاحظة وجه الشبه يدل على قبح ذلك، وكذلك نسبته إلى فوات الفضيلة الحاصلة بالجمعة، وما ذاك إلا ما لحق المتكلم من الوزر الذي يقال الفضيلة فيصير محبطاً لها.
وذهب القاسم وابنا الهادي وأحد قولي أحمد والشافعي إلى التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها.
ونقل ابن عبد البر الإجماع على وجوب الإنصات على من يسمع خطبة الجمعة إلا عن قليل من التابعين.
وقوله: "إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت" تأكيد في النهي عن الكلام لأنه إذا عد من اللغو وهو أمر بمعروف فأولى غيره، فعلى هذا يجب عليه أن يأمره بالإشارة إن أمكن ذلك.
والمراد بالإنصات قيل: من مكالمة الناس فيجوز على هذا الذكر وقراءة القرآن، والأظهر أن النهي شامل للجميع، ومن فرق فعليه الدليل، فمثل جواب التحية والصلاة على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عند ذكره عند من يقول بوجوبها قد تعارض فيه عموم النهي هنا وعموم الوجوب فيهما، وتخصيص أحدهما لعموم الآخر تحكم من دون مرجح.
واختلفوا في معنى قوله "لغوت" والأقرب ما قاله ابن المنير: أن اللغو ما لا يحسن، وقيل بطلت فضيلة جمعتك وصارت ظهراً.