[رح23] ــــ وَعَن جابرٍ رضيَ الله عنه قال: "مَضَت السُّنّةُ أَنَّ في كلِّ أَرْبَعين فَصَاعداً جُمُعة" رواهُ الدارَقُطْنيُّ بإسنادٍ ضعيف. (وعن جابر رضي الله عنه) هو ابن عبد الله (قال: مضت السنة أن في كل أربعين فصاعداً جمعة. رواه الدارقطني بإسناد ضعيف).
 

وذلك أنه من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن، وعبد العزيز قال فيه أحمد: اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو موضوعة، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به وفي الباب أحاديث لا أصل لها، وقال عبد الحق: لا يثبت في العدد حديث؛ وقد اختلف العلماء في النصاب الذين بهم تقوم الجمعة.
فذهب إلى وجوبها على الأربعين لا على من دونهم عمر بن عبد العزيز والشافعي وفي كون الإمام أحدهم وجهان عند الشافعية.
وذهب أبو حنيفة والمؤيد وأبو طالب إلى أنها تنعقد بثلاثة مع الإمام وهو أقل عدد تنعقد به فلا تجب إذا لم يتم هذا القدر مستدلين بقوله تعالى: {فاسعوا} قالوا: والخطاب للجماعة بعد النداء للجمعة وأقل الجمع ثلاثة فدل على وجوب السعي على الجمعة للجمعة بعد النداء لها والنداء لا بدّ له من مناد فكانوا ثلاثة مع الإمام ولا دليل على اشتراط ما زاد على ذلك، واعترض بأنه لا يلزم من خطاب الجماعة فعلهم لها مجتمعين وقد صرح في البحر بهذا، واعترض به أهل المذهب لما استدلوا به للمذهب ونقضه بقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة} {وجاهدوا} فإنه لا يلزم إيتاء الزكاة في جماعة.
قلت: والحق أن شرطية أي شيء في أي عبادة لا يكون إلا عن دليل ولا دليل هنا على تعين عدد لا من الكتاب ولا من السنة وإذا قد علم أنها لا تكون صلاتها إلا جماعة كما قد ورد بذلك حديث أبي موسى عند ابن ماجة وابن عدي وحديث أبي أمامة عند أحمد والطبراني، والاثنان أقل ما تتم به الجماعة لحديث "الإثنان جماعة" فتتم بهم في الأظهر، وقد سرد الشارح الخلاف والأقوال في كمية العدد المعتبر في صلاة الجمعة فبلغت أربعة عشر قولاً وذكر ما تشبث به كل قائل من الدليل على ما ادعاه بما لا ينهض حجة على الشرطية.
ثم قال: والذي نقل حال النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنه كان يصليها في جمع كثير غير موقوف على عدد يدل على أن المعتبر وهو الجمع الذي يحصل به الشعار ولا يكون إلا في كثرة يغيظ بها المنافق ويكيد بها الجاحد ويسر بها المصدق، والآية الكريمة دالة على الأمر بالجماعة فلو وقف على أقل ما دلت عليه لم تنعقد. قلت: قد كتبنا رسالة في شروط الجمعة التي ذكروها ووسعنا فيها المقال والاستدلال سميناها: اللمعة في تحقيق شرائط الجمعة.