[رح1] ــــ عَنِ المُغيرةِ بنِ شُعْبةَ رضي اللَّهُ عَنْهُ قالَ: انْكَسَفتِ الشمْسُ عَلى عَهْد رَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَوْمَ مَاتَ إبْراهيم (فقال الناس: انكسَفَتِ الشّمْسُ لموْتِ إبرَاهيم) فَقَالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إنَّ الشّمسَ وَالْقَمَرَ آيتَانِ مِنْ آيات الله لا ينْكَسِفَانِ لموْتِ أَحَدٍ ولا لحياتِهِ فإذا رَأَيْتُموهُما فادعُوا الله وصَلُّوا حَتى تَنْكَشِفَ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفي رواية لِلْبُخاريِّ "حَتى تَنْجَلي".
 

(عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يوم مات إبراهيم) أي ابنه عليه السلام وموته في العاشرة من الهجرة: وقال أبو داود: في ربيع الأول يوم الثلاثاء لعشر خلون منه وقيل: في الرابعة (فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم) (فقال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم) أي رادّاً عليهم ("إنّ الشمس والقمرَ آيتان مِنْ آيات الله لا ينكسفان لمَوْتِ أَحدٍ ولا لِحياته فإذا رَأَيْتُموهما فادعُوا الله وصلُّوا) هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري "فصلوا وادعوا الله" (حتى تَنكشف") ليس هذا اللفظ في البخاري بل هو في مسلم (متفق عليه) يقال كسفت الشمس: بفتح الكاف وتضم نادراً وانكسفت وخسفت بفتح الخاء وتضم نادراً وانخسفت.
واختلف العلماء في اللفظين هلا يستعملان في الشمس والقمر، أو يختص كل لفظ بواحد منهما، وقد ثبت في القرآن نسبة الخسوف إلى القمر، وورد في الحديث خسفت الشمس كما ثبت في نسبة الكسوف إليهما وثبت استعمالهما منسوبين إليهما فيقال فيهما: الشمس والقمر ينخسفان، وينكسفان إنما الذي لم يرد في الأحاديث نسبة الكسوف إلى القمر على جهة الانفراد، وعلى هذا يدل استعمال الفقهاء فإنهم يخصون الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر: واختاره ثعلب، وقال الجوهري: إنه أفصح، وقيل يقال بهما في كل منهما.
والكسوف: لغة التغير إلى السواد، والخسوف النقصان، وفي ذلك أقوال أخر.
وإنما قالوا إنها كسفت لموت إبراهيم لأنها كسفت في غير يوم كسوفها المعتاد، فإن كسوفها في العاشر أو الرابع لا يكاد يتفق فلذا قالوا: إنما هو لأجل هذا الخطب العظيم، فردّ عليهم صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ذلك وأخبرهم أنهما علامتان من العلامات الدالة على وحدانية الله تعالى وقدرته على تخويف عباده من بأسه وسطوته.
والحديث مأخوذ في قوله تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}.
وفي قوله "لحياته" مع أنهم لم يدعوا ذلك بيان أنه لا فرق بين الأمرين فكما أنكم لا تقولون بكسوفهما لحياة أحد كذلك لا يكسفان لموته، أو كأن المراد من حياته صحته من مرضه ونحوه، ثم ذكر القمر مع أن الكلام خاص بكسوف الشمس زيادة في الإفادة والبيان، أن حكم النيِّرين واحد في ذلك.
ثم أرشد العباد إلى ما يشرع عند رؤية ذلك من الصلاة والدعاء ويأتي صفة الصلاة.
والأمر دليل الوجوب إلا أنه حمله الجمهور على أنه سنة مؤكدة لانحصار الواجبات في الخمس الصلوات.
وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، ونقل عن أبي حنيفة أنه أوجبها.
وجعل صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم غاية وقت الدعاء والصلاة انكشاف الكسوف، فدل على أنها تفوت الصلاة بالانجلاء، فإذا انجلت وهو في الصلاة فلا يتمها، بل يقتصر على ما فعل إلا أن في رواية لمسلم: "فسلم وقد انجلت"، فدل أنه يتم الصلاة وإن كان قد حصل الانجلاء، ويؤيده القياس على سائر الصلوات فإنها تقيد بركعة كما سلف، فإذا أتى بركعة أتمها.
وفيه دليل على أن فعلها يتقيد بحصول السبب في أي وقت كان من الأوقات، وإليه ذهب الجمهور.
وعند أحمد وأبي حنيفة ما عدا أوقات الكراهة (وفي رواية للبخاري) أي عن المغيرة (حتى تنجلي) عوض قوله تنكشف والمعنى واحد.
[رح2] ــــ وَلِلْبُخَاري مِنْ حديثِ أَبي بَكْرَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُ "فَصَلُّوا وادعُوا حَتى يُكْشَفَ مَا بكمُ".
هو أول حديث ساقه البخاري في باب الكسوف ولفظه "يكشف" والمراد يرتفع ما حل بكم من كسوف الشمس أو القمر.