[رح1] ــــ عن ابن عبّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُما قالَ: خرَجَ النّبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مُتواضعاً مُتبذِّلا مُتخشِّعاً مُترسِّلاً مُتضَرِّعاً فَصَلّى ركْعتين كما يُصلي في العيد لَمْ يخْطُبْ خُطبتكم هذه" رواهُ الخمْسةُ، وَصَحّحهُ الترمذيُّ وأَبو عَوَانة وابنُ حِبّان.
 

باب صلاة الاستسقاء
أي طلب سقاية الله تعالى عند حدوث الجدب: أخرج ابن ماجه من حديث ابن عمر: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء".
[رح1] ــــ عن ابن عبّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُما قالَ: خرَجَ النّبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مُتواضعاً مُتبذِّلا مُتخشِّعاً مُترسِّلاً مُتضَرِّعاً فَصَلّى ركْعتين كما يُصلي في العيد لَمْ يخْطُبْ خُطبتكم هذه" رواهُ الخمْسةُ، وَصَحّحهُ الترمذيُّ وأَبو عَوَانة وابنُ حِبّان.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم) أي من المدينة (متواضعاً متبذلاً) بالمثناة الفوقية فذال معجمة أي أنه لابس ثياب البذلة، والمراد ترك الزينة وحسن الهيئة تواضعاً وإظهاراً للحاجة (متخشعاً) الخشوع في الصوت والبصر كالخضوع في البدن (مترسلاً) من الترسل في المشي وهو التأني وعدم العجلة (متضرعاً) لفظ أبي داود "متبذلاً متواضعاً متضرعاً" والتضرع التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة كما في النهاية (فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه) لفظ أبي داود "ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد" فأفاد لفظه أن الصلاة كانت بعد الدعاء واللفظ الذي أتى به المصنف غير صريح في ذلك (رواه الخمسة وصححه الترمذي وأبو عوانة وابن حبان) وأخرجه الحاكم والبيهقي والآل والدارقطني.
والحديث دليل على شرعية الصلاة للاستسقاء وإليه ذهب الآل.
وقال أبو حنيفة: لا يصلي للاستسقاء وإنما شرع الدعاء فقط.
ثم اختلف القائلون بشرعية الصلاة فقال جماعة: إنها كصلاة العيد في تكبيرها وقراءتها وهو المنصوص للشافعي عملاً بظاهر لفظ ابن عباس.
وقال آخرون: بل يصلي ركعتين لا صفة لهما زائدة على ذلك وإليه ذهب جماعة من الآل ويروى عن علي عليه السلام وبه قال مالك مستدلين بما أخرجه البخاري من حديث عباد بن تميم أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى بهم ركعتين. وكما يفيده حديث عائشة الآتي قريباً وتأولوا حديث ابن عباس بأن المراد التشبيه في العدد لا في الصفة، ويبعده أنه قد أخرج الدارقطني من حديث ابن عباس: أنه يكبر فيها سبعاً وخمساً كالعيدين ويقرأ بسبح وهل أتاك. وإن كان في إسناده مقال فإنه يؤيده حديث الباب.
وأما أبو حنيفة فاستدل بما أخرجه أبو داود والترمذي: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم استسقى عند أحجار الزيت بالدعاء. وأخرج عوانة في صحيحه، أنه شكا إليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قوم القحط فقال: "اجثوا على الركب وقولوا: يا رب يا رب".
وأجيب عنه بأنه ثبت صلاة ركعتين وثبت تركها في بعض الأحيان لبيان الجواز.
وقد عدّ في الهدي النبوي أنواع استسقائه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.
(فالأول) خروجه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلى المصلى وصلاته وخطبته.
(والثاني) يوم الجمعة على المنبر أثناء الخطبة.
(والثالث) استسقاؤه على منبر المدينة استسقى مجرداً في غير الجمعة ولم يحفظ عنه فيه صلاة.
(الرابع) أنه استسقى وهو جالس في المسجد فرفع يديه ودعا الله عز وجل.
(الخامس) أنه استسقى عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء وهي خارج باب المسجد.
(السادس) أنه استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء، وأغيث صلى الله عليه وآله وسلم في كل مرة استسقى فيها.
واختلف في الخطبة في الاستسقاء؛ فذهب الهادي إلى أنه لا يخطب فيه لقول ابن عباس "لم يخطب" إلا أنه لا يخفى أنه ينفي الخطبة المشابهة لخطبتهم وذكر ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم وقد زاد في رواية أبي داود: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رقى المنبر. والظاهر أنه لا يرقاه إلا للخطبة.
وذهب آخرون إلى أنه يخطب فيها كالجمعة لحديث عائشة الآتي وحديث ابن عباس.
ثم اختلفوا هل يخطب قبل الصلاة أو بعدها؟ فذهب الناصر وجماعة إلى الأول.
وذهب الشافعي وآخرون إلى الثاني مستدلين بحديث أبي هريرة عند أحمد وابن ماجه وأبي عوانة والبيهقي: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم خرج للاستسقاء فصلى ركعتين ثم خطب. واستدل الأوّلون بحديث ابن عباس وقد قدمنا لفظه.
وجمع بين الحديثين بأن الذي بدأ به هو الدعاء، فعبر بعض عن الدعاء بالخطبة واقتصر على ذلك ولم يرو في الخطبة بعدها، والراوي لتقديم الصلاة على الخطبة اقتصر على ذلك ولم يروا الدعاء قبلها وهذا جمع بين الروايتين.
وأما ما يدعو به فيتحرى ما ورد عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من ذلك وقد أبان الألفاظ التي دعا بها صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:

الموضوع التالي


[رح2] ــــ وعن عائشةَ رضيَ الله عنْها قالت: شَكا النّاس إلى رسُول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قُحُوط المطر فأَمَرَ بمنْبر فَوُضِعَ لَهُ بالمُصلى وَوَعَد النّاس يَوْماً يخْرُجُون فيه، قالت عائشة: فَخَرَجَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حين بدا حاجِبُ الشّمس فَقَعَد على المنبر فَكَبّر رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وحمد الله عزَّ وجل ثمَّ قالَ: "إنكمُ شَكَوْتمْ جدْبَ دياركُم وقدْ أَمركُمُ الله أَن تَدْعُوهُ وَوَعدكُم أَن يَسْتجيب لَكُم" ثمَّ قالَ: "الحمْدُ لله ربِّ العالمينَ، الرَّحمن الرَّحيم، مَلِك يَوْمِ الدينِ، لا إله إلّا اللَّهُ يَفْعَلُ ما يُريدُ، اللهُمّ أَنْتَ الله لا إله إلّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغنيُّ ونَحْنُ الْفُقَراءُ، أَنزل عَلَيْنا الْغَيْثَ واجْعَلْ مَا أَنْزلْتَ عَلَيْنَا قُوَّةً وبلاغاً إلى حين" ثمَّ رَفَعَ يدَيْهِ فلَمْ يزَلْ حتّى رُئيَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ، ثمَّ حَوَّلَ إلى الناس ظَهْرَهُ وقَلَبَ رداءَه وهو رافعُ يديْهِ، ثمَّ أَقْبلَ على النّاس ونزَلَ فَصَلى رَكعتَيْنِ، فَأَنْشأَ اللَّهُ سَحَابةً فَرَعَدَتْ وبرقَتْ ثمَّ أَمْطرتْ. رواهُ أبو داودَ وقال غريبٌ وإسنَادُهُ جَيِّدٌ.