[رح2] ــــ وَعَنْ حُذيفةَ رضي الله عَنْهُ قال: نهى النّبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أَن نَشرب في آنيةِ الذهب والْفِضَّةِ وأَن نأكُلَ فيها، وَعَنْ لُبْس الحرير والدِّيباج وأَنْ نجلِسَ عَليه" رواهُ البخاريُّ.
 

(وعن حذيفة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم "أَن نَشْرَبَ في آنيةِ الذهبِ والْفِضَّة وأَنْ نَأكُلَ فيها) تقدم الحديث عن حذيفة بلفظ: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة" الحديث فقوله هنا "نهى" إخبار عن ذلك اللفظ الذي تقدّم وتقدم الكلام فيه (وعَنْ لُبْسِ الْحرير والديباج، وأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" رواه البخاري) أي ونهى عن لبس الحرير والنهي ظاهر في التحريم.
وإلى تحريم لبس الحرير ذهب الجماهير من الأمة على الرجال دون النساء، وحكى القاضي عياض عن قوم إباحته ونسب في البحر إباحته إلى ابن علية، وقال: إنه انعقد الإجماع بعده على التحريم، ولكنه قال المصنف في الفتح: قد ثبت لبس الحرير عن جماعة من الصحابة وغيرهم قال أبو داود: لبسه عشرون من الصحابة وأكثر، وأورده ابن أبي شيبة عن جمع منهم وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق عمار بن أبي عمار قال: أتت مروان بن الحكم مطارف خز فكساها أصحاب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.
قال: والأصح في تفسير الخز أنه ثياب سداها من حرير ولحمتها من غيره وقيل: تنسج مخلوطة من حرير وصوف أو نحوه، وقيل أصله اسم دابة يقال لها الخز فسمى الثوب المتخذ من وبره خزّاً لنعومته ثم أطلق على ما تخلط بحرير لنعومة الحرير.
إذا عرفت هذا فقد يحتمل أن الذي لبسه الصحابة في رواية أبي داود كان من الخز وإن كان ظاهر عبارته يأبى ذلك.
وأما القز بالقاف بدل الخاء المعجمة فقال الرافعي: إنه عند الأئمة: من الحرير فحرّموه على الرجال أيضاً. والقول بحله وحل الحرير للنساء قول الجماهير إلا ابن الزبير فإنه أخرج مسلم عنه: أنه خطب فقال: لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تلبسوا الحرير" فأخذ بالعموم إلا أنه انعقد الإجماع على حل الحرير للنساء.
فأما الصبيان من الذكور فيحرم عليهم أيضاً عند الأكثر لعموم قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، "حرام على ذكور أمتي" وقال محمد بن الحسن: يجوز إلباسهم، وقال أصحاب الشافعي: يجوز إلباسهم الحلي والحرير في يوم العيد لأنه لا تكليف عليهم ولهم في غير يوم العيد ثلاثة أوجه أصحها جوازه.
وأما الديباج فهو ما غلظ من ثياب الحرير وعطفه عليه من عطف الخاص على العام.
وأما الجلوس على الحرير فقد أفاد الحديث النهي عنه إلا أنه قال المصنف في الفتح: إنه قد أخرج البخاري ومسلم حديث حذيفة من غير وجه وليس فيه هذه الزيادة وهي قوله: "وأن نجلس عليه" قال: وهي حجة قوية لمن قال يمنع الجلوس على الحرير وهو قول الجمهور خلافاً لابن الماجشون والكوفيين وبعض الشافعية، وقال بعض الحنفية في الدليل على عدم تحريم الجلوس على الحرير: إن قوله نهى ليس صريحاً في التحريم، وقال بعضهم: إنه يحتمل أن يكون المنع ورد عن مجموع اللبس والجلوس لا الجلوس وحده. (قلت: ولا يخفى تكلف هذا القائل والإخراج عن الظاهر بلا حاجة) وقال بعض الحنفية: مدار الجواز والتحريم على اللبس لصحة الأخبار فيه والجلوس ليس بلبس، واحتج الجمهور على أنه يسمى الجلوس لبساً بحديث أنس الصحيح: "فقمت إلى حصير لنا قد أسودّ من طول ما لبس" ولأن لبس كل شيء بحسبه.
وأما افتراش النساء للحرير فالأصل جوازه وقد أحل لهن لبسه ومنه الافتراش ومن قال بمنعهن عن افتراشه فلا حجة له.
واختلف في علة تحريم الحرير على قولين: الأول الفخر والخيلاء والثاني كونه لباس رفاهية وزينة تليق بالنساء دون شهامة الرجال.
3 ــــ وعنْ عُمَرَ رضيَ الله عنهُ قال: "نهى النّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عن لُبْس الحرير إلّا موْضع أُصبعين أوْ ثلاثٍ أَوْ أَرْبع" مُتّفقٌ عليه واللّفْظُ لمسْلِمٍ.
قال المصنف: "أو" هنا للتخيير والتنويع.
وقد أخرج الحديث ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ "إن الحرير لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا" يعني أصبعين وثلاثاً وأربعاً ومن قال المراد أن يكون في كل كم أصبعان فإنه يرده رواية النسائي "لم يرخص في الديباج إلا في موضع أربعة أصابع" وهذا ــــ أي الترخيص في الأربع الأصابع ــــ مذهب الجمهور.
وعن مالك في رواية منعه وسواء كان منسوجاً أو ملصقاً ويقاس عليه الجلوس.
وقدرت الهادوية الرخصة بثلاث أصابع لكن هذا الحديث نص في الأربع.