[رح4] ــــ وعَنْ أَبي سعيد وأَبي هُريرة رضيَ الله عنهما قالا: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لَقِّنوا مَوْتاكُم لا إله إلا الله" رَوَاهُ مسلمٌ والأرْبعةُ.
 

(وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لَقِّنُوا مَوْتاكم) أي الذين في سياق الموت فهو مجاز (لا إله إلا اللَّهُ" رواه مسلم والأربعة) وهذا لفظ مسلم، ورواه ابن حبان عن أبي هريرة بلفظه وزيادة، "فمن كان آخر قوله لا إله إلا الله دخل الجنة يوماً من الدهر وإن أصابه ما أصابه قبل ذلك" وقد غلط من نسبه إلى الشيخين أو إلى البخاري، وروى ابن أبي الدنيا عن حذيفة بلفظ "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنها تهدم ما قبلها من الخطايا". وفي الباب أحاديث صحيحة.
وقوله: "لقنوا" المراد تذكير الذي في سياق الموت هذا اللفظ الجليل وذلك ليقولها، فتكون آخر كلامه فيدخل الجنة كما سبق، فالأمر في الحديث بالتلقين عام لكل مسلم يحضر وهو في سياق الموت، وهو أمر ندب، وكره العلماء الإكثار عليه والموالاة، لئلا يضجر ويضيق حاله ويشتد كربه، فيكره ذلك بقلبه ويتكلم بما لا يليق، قالوا: وإذا تكلم مرة فيعاد عليه التعريض ليكون آخر كلامه، وكأن المراد بقول لا إله إلا الله أي وقول محمد رسول الله فإنها لا تقبل إحداهما إلا بالآخرى كما علم.
والمراد "بموتاكم": موتى المسلمين. وأما موتى غيرهم، فيعرض عليهم الإسلام، كما عرضه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على عمه عند السياق، وعلى الذمي الذي كان يخدمه، فعاده وعرض عليه الإسلام فأسلم، وكأنه خص في الحديث موتى أهل الإسلام لأنهم الذين يقبلون ذلك ولأن حضور أهل الإسلام عندهم هو الأغلب بخلاف الكفار فالغالب أنه لا يحضر موتاهم إلا الكفار.
(فائدة) يحسن أن يُذكَّر المريض بسعة رحمة الله ولطفه وبرّه، فيحسن ظنه بربه. لما أخرجه مسلم من حديث جابر "سمعت رسول اللهصَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول قبل موته: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله". وفي الصحيحين مرفوعاً من حديث أبي هريرة "قال: قال الله: أنا عند ظن عبدي بي". وروى ابن أبي الدنيا عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته، لكي يحسن ظنه بربه" وقد قال بعض أئمة العلم: إنه يحسن جمع أربعين حديثاً في الرجاء تقرأ على المريض فيشتد حسن ظنه بالله تعالى، فإنه تعالى عند ظن عبده به.
وإذا امتزج خوف العبد برجائه عند سياق الموت فهو محمود. أخرج الترمذي بإسناد جيد من حديث أنس: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم دخل على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك؟" قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول اللهصَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجوه وآمنه مما يخاف".
(فائدة أخرى) ينبغي أن يوجه من هو في السياق إلى القبلة، لما أخرجه الحاكم وصححه من حديث أبي قتادة: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور قالوا: توفي وأوصى بثلث ماله لك يا رسول الله وأوصى أن يوجه للقبلة إذا احتضر، فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أصاب الفطرة، وقد رددت ثلثه على ولده" ثم ذهب فصلى عليه وقال: "اللهم اغفر له وأدخله جنتك وقد فعلت" وقال الحاكم: لا أعلم في توجيه المحتضر للقبلة غيره.