[رح10] ــــ وعن ابن عباسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُما أَنَّ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال في الذي سقط عنْ راحلته فمات: "اغْسِلُوهُ بماءٍ وسِدْرٍ وكفنوهُ في ثَوْبَيْنِ" مُتّفقٌ عليهِ.
 

(وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال في الذي سقط عن راحلته فمات) وذلك هو واقف بعرفة على راحلته كما في البخاري: (اغْسلوه بماءٍ وسِدْر وكفنُوه في ثوبين" متفق عليه) تمامه "ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه" وبعده في البخاري "فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً".
الحديث دليل على وجوب غسل الميت، قال النووي: الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، قال المصنف بعد نقله في الفتح: وهو ذهول شديد فإن الخلاف فيه مشهور عند المالكية، حتى إن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة. ولكن الجمهور على وجوبه، وقد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك وقال: وقد توارد القول والعمل وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه؟. ويأتي كمية الغسلات في حديث أمّ عطية قريباً.
وقوله: "بماء وسدر" ظاهره: أنه يخلط السدر بالماء في كل مرة من مرات الغسل، قيل: وهو يشعر بأنّ غسل الميت للتنظيف لا للتطهير، لأن الماء المضاف لا يتطهر به؛ قيل: وقد يقال يحتمل أنّ السدر لا يغير وصف الماء فلا يصير مضافاً، وذلك بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة، وقال القرطبي: يجعل السدر في ماء ثم يخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسد الميت ثم يصب عليه الماء القراح هذه غسلة؛ وقيل: لا يطرح السدر في الماء أي لئلا يمازج الماء فيغير وصف الماء المطلق.
وتمسك بظاهر الحديث بعض المالكية فقال: غسل الميت إنما هو للتنظيف فيجزي الماء المضاف كما الورد ونحوه، وقالوا: إنما يكره لأجل السرف.
والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط في الاغتسالات الواجبة والمندوبة.
وفي الحديث النهي عن تحنيطه ولم يذكره المصنف كما عرفت، وتعليله بأنه يبعث ملبياً يدل على أن علة النهي كونه مات محرماً، فإذا انتفعت العلة انتفى النهي، وهو يدل على أنّ الحنوط للميت كان أمراً متقرّراً عندهم.
وفيه أيضاً النهي عن تخمير وتغطية رأسه لأجل الإحرام، فمن ليس بمحرم يحنط ويخمر رأسه. والقول بأن ينطع حكم الإحرام بالموت كما تقول الحنفية وبعض المالكية خلاف الظاهر، وقد ذكر في الشرح خلافهم وأذلتهم وليست بناهضة في مخالفة ظاهر الحديث فلا حاجة إلى سردها.
وقوله "وكفنوه في ثوبين" يدل على وجوب التكفين، وأنه لا يشترط فيه أن يكون وتراً، وقيل: يحتمل أن الاقتصار عليهما لأنه مات فيهم وهو متلبس بتلك العبادة الفاضلة، ويحتمل أنه لم يجد له غيرهما، وأنه من رأس المال، لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أمر به ولم يستفصل هل عليه دين مستغرق أم لا؟
وورد الثوبان في هذه الرواية مطلقين وفي رواية في البخاري "في ثوبيه" وللنسائي "في ثوبيه اللذين أحرم فيهما" قال المصنف: فيه استحباب تكفين الميت في ثياب إحرامه؛ وأن إحرامه باق وأنه لا يكفن في المخيط.
وفي قوله "يبعث ملبياً" ما يدل لمن شرع في عمل طاعة في حيل بينه وبين تمامها بالموت أنه يرجى له أن يكتبه الله في الآخرة من أهل ذلك العمل.