[رح13] ــــ وعنْ عائشة رضيَ اللَّهُ عَنْها قالتْ: "كُفّن رسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في ثلاثَةِ أَثْوابٍ بيضٍ سُحُوليّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْس فيها قميصٌ ولا عِمامةٌ" مُتّفَقٌ عليه.
 

(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كفن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في ثلاثة أثواب بيض سُحولية) بضم السين المهملة والحاء المهملة (من كُرْسُف) بضم الكاف وسكون الراء وضم السين المهملة ففاء أي قطن (ليس فيها) أي الثلاثة (قميص ولا عمامة) بل إزار ورداء ولفافة كما صرح به في طبقات ابن سعد عن الشعبي (متفق عليه).
فيه أن الأفضل التكفين في ثلاثة أثواب بيض، لأن الله تعالى لم يكن يختار لنبيه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلا الأفضل، وقد روى أهل السنن من حديث ابن عباس "البسوا ثياب البياض فإنها أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم" وصححه الترمذي والحاكم، وله شاهد من حديث سمرة أخرجوه وإسناده صحيح أيضاً.
(وللخمسة) أي من حديث أبي هريرة، (وصححه ابن حبان بلفظ: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"، وقال النسائي: هذا خطأ) أخرجه المذكورين من حديث عليّ بن عبد الله البارقي عن ابن عمر بهذا، وأصله في الصحيحين بدون ذكر النهار، وقال ابن عبد البر: لم يقله أحد عن ابن عمر غير عليّ وأنكروه عليه، وكان ابن معين يضعف حديثه هذا ولا يحتج به، ويقول: إن نافعاً وعبد الله بن دينار وجماعة رووه عن ابن عمر بدون ذكر النهار، وروي بسنده عن يحيى بن معين أنه قال: صلاة النهار أربع لا يفصل بينهن فقيل له: فإن أحمد بن حنبل يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، قال: بأي حديث قيل بحديث الأزدي، قال: ومن الأزدي حتى أقبل منه. قال النسائي: هذا الحديث عندي خطأ، وكذا قال الحاكم في علوم الحديث، وقال الدارقطني في العلل: ذكر النهار فهي وهم، وقال الخطابي: روي هذا الحديث طاوس ونانع وغيرهما عن ابن عمر فلم يذكر أحد فيه النهار إلا أن سبيل الزيادة من الثقة أن تقبل، وقال البيهقي: هذا حديث صحيح، وقال: والبارقي احتج به مسلم والزيادة من الثقة مقبولة، انتهى كلام المصنف في التلخيص.
وأما ما تقدم في حديث عائشة "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم سجي ببرد حبرة" وهي برد يماني مخطط غالي الثمن، فإنه لا يعارض ما هنا لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يكفن في ذلك البرد بل سجوه به ليتجفف فيه ثم نزعوه عنه كما أخرجه مسلم، على أن الظاهر أن التسجية كانت قبل الغسل. قال الترمذي: تكفينه في ثلاثة أثواب بيض أصح ما رود في كفنه.
وأما ما أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديث علي رضي الله عنه "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كفن في سبعة أثواب" فهو من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيء الحفظ يصلح حديثه في المتابعات إلا إذا انفرد فلا يحسن، فكيف إذا خالف كما هنا. فلا يقبل، قال المصنف: وقد روى الحاكم من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر ما يعضد رواية ابن عقيل.
فإن ثبت، جمع بينه وبين حديث عائشة بأنها روت ما اطلعت عليه وهو الثلاثة، وغيرها روى ما اطلع عليه سيما إن صحت الرواية عن علي فإنه كان المباشر للغسل.
واعلم أنه يجب من الكفن ما يستر جميع جسد الميت، فإن قصر عن ستر الجميع قدم ستر العورة، فما زاد عليها ستر به من جانب الرأس وجعل على الرجلين حشيش، كما فعل النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في عمه حمزة ومصعب بن عمير.
فإذا أريد الزيادة على الواحد، فالمندوب أن يكون وتراً، ويجوز الاقتصار على الاثنين كما مر في حديث المحرم الذي مات، وقد عرفت من رواية الشعبي كيفية الثلاثة، وأنها إزار ورداء ولفافة، وقيل مئزر ودرجان، وقيل يكون منها قميص غير مخيط وإزار يبلغ من سرته إلى ركبته، ولفافة يلف بها من قرنه إلى قدمه، وتأول هذا القائل قول عائشة: "ليس فيها قميص ولا عمامة" بأنها أرادت نفي وجود الأمرين معاً لا القميص وحده، أو أن الثلاث خارجة عن القميص والعمامة، والمراد أن الثلاثة مما عداها وإن كانا موجودين، وهذا بعيد جداً، قيل والأولى أن يقال أن التكفين بالقميص وعدمه سواء يستحبان فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كفن عبد الله بن أُبَيْ في قميصه أخرجه. البخاري. ولا يفعل صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلا ما هو الأحسن.
وفيه أن قميص الميت مثل قميص الحي مكفوفاً مزروراً، وقد استحب هذا محمد بن سيرين كما ذكره البيهقي في الخلافيات، قال في الشرح: وفي هذا رد على من قال إنه لا يشرع القميص إلا إذا كانت أطرافه غير مكفوفة. قلت: وهذا يتوقف على أن كف أطراف القميص كان عرف أهل ذلك العصر.

الموضوع السابق


[رح12] ــــ وعنْ أُمِّ عطيّة رضي الله عَنْها قالت: دخل عَلَيْنا النّبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ونحْن نغسِّل ابنته فقال: "اغْسِلْنها ثلاثاً أوْ خمساً أَوْ أَكثر منْ ذلك إن رأَيْتُنَّ ذلك بماءٍ وسِدْرٍ، واجْعَلْن في الآخرة كافوراً أو شَيْئاً مِنْ كافور" فلَمّا فرغْنا آذَنّاهُ فأَلقى إليْنا حِقْوَه فقالَ: "أَشْعِرْنها إيّاهُ" مُتفقٌ عليه. وفي رواية "ابْدأنَ بميامِنها ومَوَاضِع الوضُوءِ منها" وفي لفظٍ للبخاري "فَضَفَرْنا شَعْرها ثلاثة قرونٍ فَأَلْقيْناها خلفها".