[رح14] ــــ وعن ابنِ عُمَر رضي الله عنهما قال: "لمّا تُوفِّي عبد الله ابنُ أُبيَ جَاءَ ابْنُهُ إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقَال: أَعْطني قميصكَ أُكَفِّنْهُ فيهِ، فَأَعطاهُ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قميصه" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.
 

(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما توفي عبد الله بن أُبيّ جاء ابنه) هو عبد الله بن عبد الله (إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقال: اعطني قميصك أكفنه فيه، فأعطاه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قميصه. متفق عليه).
هو دليل على شرعية التكفين في القميص كما سلف قريباً. وظاهر هذه الرواية أنه طلب القميص منه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قبل التكفين إلا أنه قد عارضها ما عند البخاري من حديث جابر: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أتى عبد الله بن أبيّ بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه" فإنه صريح أنه كان الإعطاء والإلباس بعد الدفن، وحديث ابن عمر يخالفه، وجمع بينهما بأن المراد من قوله في حديث ابن عمر فأعطاه أي أنعم له بذلك فأطلق على العدة اسم العطية مجازاً لتحقق وقوعها، وكذا قوله في حديث جابر "بعد ما دفن" أي دُلِّيَ في حفرته أو أن المراد من حديث جابر أن الواقع بعد إخراجه من حفرته هو النفث، وأما القميص فقد كان ألبس، والجمع بينهما لا يدل على وقوعهما معاً لأن الواو لا تقتضي الترتيب ولا المعية فلعله أراد أن يذكر ما وقع في الجملة من إكرامه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من غير إرادة الترتيب.
وقيل إنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أعطاه أحد قميصيه أوّلا ولما دفن أعطاه الثاني بسؤال ولده عبد الله. وفي الإكليل للحاكم ما يؤيد ذلك.
واعلم أنه إنما أعطى عبد الله بن عبد الله بن أبيّ لأنه كان رجلاً صالحاً ولأنه سأله ذلك وكان لا يرد سائلاً، وإلا فإن أباه الذي ألبسه قميصه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وكفن فيه من أعظم المنافقين ومات على نفاقه، وأنزل الله فيه: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً}.
وقيل إنما كساه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قميصه لأنه كان كسا العباس لما أُسر ببدر فأراد صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أن يكافئه.