[رح23] ــــ وعَنْ أَبي هُريْرةَ رضيَ الله عَنْه في قصّة المرأَةِ الّتي كانتْ تَقُمُّ المسْجد قال فَسأَلَ عَنْها النّبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فَقَالُوا: ماتتْ، فَقَالَ: "أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُوني؟" فَكأَنهُمْ صَغّروا أَمْرها، فَقَال: "دُلُوني على قَبْرها" فَدَلُّوه فَصَلى عَلَيْها، مُتّفَقٌ عَلَيْهِ، وزادَ مسْلمٌ ثمَّ قالَ: "إنَّ هذهِ الْقُبُور مملُوءَةٌ ظُلْمَةٌ على أهلِها وإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بصلاتي عَلَيْهم".
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المرأة التي كانت تَقم المسجد) بفتح حرف المضارعة أي تخرج القمامة منه وهي الكناسة (فسأل عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: مات فقال: "أَفلا كنتمْ آذنتموني فكأَنهمْ صغرا أَمْرها فقال: دلُّوني على قبرها) أي بعد قولهم في جواب سؤاله إنها ماتت (فدلوه فصلى عليها. متفق عليه وزاد مسلم) أي من رواية أبي هريرة (ثم قال) أي النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ("إنَّ هذه القبور مملوءةٌ ظُلْمةٌ على أَهْلها وإنَّ اللَّهَ عزَّ وجل يُنوِّرها لهمْ بصلاتي عليْهم) وهذه الزيادة لم يخرجها البخاري لأنها مدرجة في هذا الإسناد، وهي من مراسيل ثابت كما قال أحمد. هذا والمصنف جزم أن القصة كانت مع امرأة وفي البخاري: أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء بالشك من ثابت الراوي لكنه صرح في رواية أخرى في البخاري عن ثابت قال: "ولا أراه إلا امرأة" وبه جزم ابن خزيمة من طريق أخرى عن أبي هريرة فقال: "امرأة سوداء" ورواه البيهقي أيضاً بإسناد حسن وسماها أم محجن وأفاد أن الذي أجابه صلى الله عليه وآله وسلم عن سؤاله هو أبو بكر، وفي البخاري عوض "فسأل عنها" فقال: "ما فعل ذلك الإنسان؟ قالوا: مات يا رسول الله" الحديث.
والحديث دليل على صحة الصلاة على الميت بعد دفنه مطلقاً سواء أصلي عليه قبل الدفن أم لا وإلى هذا ذهب الشافعي.
ويدل له أيضاً صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على البراء بن معرور فإنه مات والنبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بمكة فلما قدم صلى على قبره، وكان ذلك بعد شهر من وفاته.
ويدل له أيضاً صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على الغلام الأنصاري الذي دفن ليلا ولم يشعر صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بموته، أخرجه البخاري.
ويدل له أيضاً أحاديث وردت في الباب عن تسعة من الصحابة أشار إليها في الشرح.
وذهب أبو طالب تحصيلاً لمذهب الهادي إلا أنه لا صلاة على القبر واستدل له في البحر بحديث لا يقوى على معارضة أحاديث المثبتين لما عرفت من صحتها وكثرتها.
واختلف القائلون بالصلاة على القبر في المدة التي تشرع فيها الصلاة، فقيل إلى شهر بعد دفنه، وقيل إلى أن يبلى الميت لأنه إذا بلي لم يبق ما يصلي عليه، وقيل أبداً لأن المراد من الصلاة عليه الدعاء وهو جائز في كل وقت. قلت: هذا هو الحق إذ لا دليل على التحديد بمدة.

وأما القول بأن الصلاة على القبر من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم فلا تنهض لأن دعوى الخصوصية خلاف الأصل.