[رح37] ــــ وَعَنْهُ رضي الله عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ شهدَ الجنَازَة حَتى يُصَلى عَليها فَلَهُ قيراطٌ، وَمَن شهدها حَتى تُدفَنَ فلهُ قيراطانِ" قيل: وما القيراطان؟ قال: "مِثْل الجبلين العظيميْن" متفقٌ عليهِ، ولمسْلمٍ "حتى توضَعَ في اللّحْدِ" وللبُخاريِّ "مَنْ تبعَ جنَازَةَ مُسْلم إيماناً واحْتساباً وكانَ معَهَا حَتى يُصلى عليهَا ويُفرغَ مِنْ دَفْنها فإنّهُ يَرْجع بقيراطيْن، كُلُّ قيراط مِثْلُ أُحُدٍ".
 

(وعنه رضي الله عنه) أي أبي هريرة (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فلهُ قيراطٌ ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" قيل) صرح أبو عوانة بأن القائل وما القيراطان هو أبي هريرة (وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين" متفق عليه. ولمسلم) أي من حديث أبي هريرة حتى توضع في اللحد". وللبخاري أيضاً من حديث أبي هريرة ("من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين كل قيراطٍ مثلُ أُحُدٍ") فاتفقا على صدر الحديث ثم انفرد كل واحد منهما بلفظ. وهذا الحديث رواه اثنا عشر صحابياً.
وقوله: "إيماناً واحتساباً) قيد به لأن لا بد منه لأن ترتب الثواب على العمل يستدعي سبق النية، فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة أو على سبيل المحاباة. ذكره المصنف في الفتح.
وقوله: "مثل أُحد" ووقع في رواية النسائي: "فله قيراطان من الأجر كل واحد منهما أعظم من أحد" وفي رواية لمسلم: "أصغرهما مثل أُحد". وعند ابن عدي من رواية واثلة: "كتب له قيراطان من الأجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أُحد".
والشهود: الحضور وظاهره الحضور معها من ابتداء الخروج بها. وقد ورد في لفظ مسلم: "من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر كل قيراط مثل أُحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط". والروايات إذا رد بعضها إلى بعض تقضي بأنه لا يستحق الأجر المذكور إلا من صلى عليها ثم تبعها.
قال المصنف رحمه الله: الذي يظهر لي أنه يحصل الأجر لمن صلى وإن لم يتبع لأن ذلك وسيلة إلى الصلاة لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من صلى وتبع. وأخرج سعيد بن منصور من حديث عروة عن زيد بن ثابت: "إذا صليت على جنازة فقد قضيت ما عليك" أخرجه ابن أبي شيبة بلفظ "إذا صليتم" وزاد في آخره "فخلوا بينها وبين أهلها" ومعناه قد قضيت حق الميت فإن أروت الاتباع فلك زيادة أجر. وعلق البخاري قول حميد بن هلال: ما علمنا على الجنازة إذنا ولكن من صلى ورجع فله قيراط.
وأما حديث أبي هريرة: أميران وليسا بأميرين: الرجل يكون مع الجنازة يصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها. أخرجه عبد الرزاق فإنه حديث منقطع موقوف. وقد رويت في معناه أحاديث مرفوعة كلها ضعيفة.
ولما كان وزن الأعمال في الآخر ليس لنا طريق إلى معرفة حقيقته ولا يعلمه إلا الله، ولم يكن تعريفنا لذلك إلا بتشبيهه بما نعرفه من أحوال المقادير، شبه قدر الأجر الحاصل من ذلك بالقيراط ليبرز لنا المعقول في صورة المحسوس. ولما كان القيراط حقير القدر بالنسبة إلى ما نعرفه في الدنيا نبه على معرفة قدره: بأنه كأحد الجبل المعروف بالمدينة.
وقوله: "حتى تدفن" ظاهر في وقوع مطلق الدفن وإن لم يفرغ منه كله.
ولفظ "حتى توضع في اللحد" كذلك إلا إن في الرواية الأخرى لمسلم "حتى يفرغ من دفنها" ففيها بيان وتفسير لما في غيرها.
والحديث ترغيب في حضور الميت والصلاة عليه ودفنه، وفيه دلالة على عظم فضل الله وتكريمه للميت وإكرامه بجزيل الإثابة لمن أحسن إليه بعد موته.
تنبيه ــــ في حمل الجنازة ــــ: أخرج البيهقي في السنن الكبرى بسنده إلى عبد الله بن مسعود أنه قال: إذا تبع أحدكم الجنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربعة ثم ليتطوع بعد أو يذر فإنه من السنة. وأخرج بسنده: أن عثمان ابن عفان حمل بين العمودين سرير أمه فلم يفارقه حتى وضعه" وأخرج أيضاً "أن أبا هريرة رضي الله عنه حمل بين عمودي سرير سعد بن أبي وقاص. وأخرج: أن ابن الزبير حمل بين عمودي سرير المسور بن مخرمة. وأخرج من حديث يوسف بن ماهك قال: شهدت جنازة رافع بن خديج وفيها ابن عمر وابن عباس فانطلق ابن عمر حتى أخذ بمقدم السرير بين القائمين فوضعه على كاهله ثم مشى بها. انتهى.