[رح40] ــــ وعنْ أَبي سَعِيدٍ رضي اللَّهُ عنهُ أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "إذا رأَيْتُمُ الجنازة فقُوموا، فَمَنْ تبعها فلا يجْلسْ حتى تُوضع" مُتّفقٌ عليه.
 

الأمر ظاهر في وجوب القيام للجنازة إذا مرت بالمكلف وإن لم يقصد تشييعها وظاهر في عموم كل جنازة من مؤمن وغيره ويؤيده أنه أخرج البخاري قيامه صلى الله عليه وآله وسلم لجنازة يهودي مرت به. وعلل ذلك بأن الموت فزع وفي رواية "أليست نفساً" وأخرج الحاكم "إنما قمنا للملائكة" وأخرج أحمد والحاكم وابن حبان: "إنما نقوم إعظاماً للذي يقبض النفوس". ولفظ ابن حبان: "إعظاماً لله". ولا منافاة بين التعليلين.
وقد عارض هذا الأمر حديث عليّ رضي الله عنه عند مسلم: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قام للجنازة ثم قعد. والقول بأنه يحتمل أن مراده قام ثم قعد لما بعدت عنه، يدفعه أن علياً أشار إلى قوم بأن يقعدوا ثم حدثهم الحديث. ولما تعارض الحديثان اختلف العلماء في ذلك.
فذهب الشافعي إلى أن حديث عليّ عليه السلام ناسخ للأمر بالقيام، وردّ أن حديث عليّ ليس نصّاً لاحتمال أن قعوده صلى الله عليه وآله وسلم كان لبيان الجواز، ولذا قال النووي: المختار أنه مستحب. وأما حديث عبادة بن الصامت أنه كان صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقوم للجنازة فمرّ به حبر من اليهود فقال: هكذا نفعل، فقال: "اجلسوا خالفوهم". أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وأخرجه البزار والبيهقي، فإنه حديث ضعيف فيه [تض]بشر بن رافع [/تض] قال البزار: تفرّد به بشر وهو لين الحديث.
وقوله: "ومن تبعها فلا يجلس حتى توضع" أفاد النهي لمن شيعها، عن الجلوس حتى توضع، ويحتمل أن المراد حتى توضع في الأرض أو توضع في اللحد، وقد روي الحديث باللفظين إلا أنه رجح البخاري وغيره رواية "توضع في الأرض".
فذهب بعض السلف إلى وجوب القيام حتى توضع الجنازة لما يفيده النهي هنا ولما عند النسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد: "ما رأينا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع".
وقال الجمهور: إنه مستحب. وقد روى البيهقي من حديث أبي هريرة وابن عمر وغيرهما: إن القائم مثل الحامل ــــ يعني في الأجر.