[رح48] ــــ وعن عثْمانَ رضي الله عنه قال: كانَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا فرغ مِنْ دفن الميِّتِ وقَفَ عَلْيه وقال: "استغْفِرُوا لأخيكُمْ واسْأَلُوا لَهُ التّثْبيت فإنّهُ الآن يُسْأَل" رواهُ أبو داود وصححه الْحاكِمُ.
 

فيه دلالة على انتفاع الميت باستغفار الحي له، وعليه ورد قوله تعالى: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} وقوله: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} ونحوهما.
وعلى أنه يسأل في القبر، وقد وردت به الأحاديث الصحيحة، كما أخرج ذلك الشيخان. فمنها من حديث أنس أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم". زاد مسلم: "وإذا انصرفوا أتاه ملكان" زاد ابن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة: "أزرقان أسودان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير". زاد الطبراني في الأوسط: "أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما البقر مثل الرعد" تزاد عبد الرزاق: "ويحفران بأنيابهما ويطآن في أشعارهما معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها" وزاد البخاري من حديث البراء: "فيعاد روحه في جسده".
ويستفاد في مجموع الأحاديث أنهما يسألانه فيقولان: "ما كنت تعبد؟ فإن كان الله هداه فيقول: كنت أعبد الله، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله". وفي رواية "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقال له: صدقت" "فلا يسأل عن شيء غيرها" "ثم يقال له: على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى". وفي لفظ: "فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة وألبسوه من الجنة قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له مد بصره، ويقال له انظر مقعدك من النار قد أبدلك الله مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً، فيقول: دعوني حتى أذهب أبشر أهلي فيقال له: اسكت، ويفسح له قبره سبعون ذراعاً ويملأ خضراً إلى يوم القيامة". وفي لفظ "ويقال له نم فينام نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله. وأما الكافر والمنافق فيقول له الملكان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري ويقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم: فيقول: هاه هاه لا أدري فيقال: لا دريت ولا تليت ــــ أي لا فهمت ولا تبعت من يفهم ــــ ويضرب بمطارق من حديد ضربة لو ضرب بها جبل لصار تراباً فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين".
واعلم أنه قد وردت أحاديث على اختصاص هذه الأمة بالسؤال في القبر دون الأمم السالفة قال العلماء: والسر فيه أن الأمم كانت تأتيهم الرسل فإن أطاعوهم فالمراد، وإن عصوهم اعتزلوهم وعولجوا بالعذاب. فلما أرسل الله محمداً صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب وقبل الإسلام ممن أظهره سواء أخلص أم لا، وقيض الله لهم من يسألهم في القبور ليخرج الله سرهم بالسؤال وليميز الله الخبيث من الطيب.
وذهب ابن القيم إلى عموم المسألة وبسط المسألة في كتاب الروح.