[رح54] ــــ وعَنْ أُمِّ عطيّةَ رضي الله عنْها قالت: "أَخذ عَلَيْنا رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عند البيعة أَنْ لا نَنُوح" متفقٌ عليه. كان أخذه عليهنّ ذلك وقت المبايعة على الإسلام.
 

والحديثان دالان على تحريم النياحة وتحريم استماعها إذ لا يكون اللعن إلا على محرم. وفي الباب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "ليس منّا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". متفق عليه. وأخرجا من حديث أبي موسى: أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق". وفي الباب غير ذلك.
ولا يعارض ذلك ما أخرج أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم عن ابن عمر: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مر بنساء ابن عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أُحد فقال: "لكن حمزة لا بواكي" فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة ــــ الحديث. فإنه منسوخ بما في آخره بلفظ "فلا تبكين على هالك بعد اليوم" وهو يدل على أنه عبر عن النياحة بالبكاء.
فإن البكاء غير منهي عنه كما يدل له ما أخرجه النسائي عن أبي هريرة قال: "مات ميت من آل رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال له صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: دعهن يا عمر فإن العين تدمع والقلب مصاب والعهد قريب" والميت هي زينب بنته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كما صرح به في حديث ابن عباس أخرجه أحمد وفيه أنه قال لهن: "إياكن ونعيق الشيطان فإنه مهما كان من العين ومن القلب فمن الله ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان" فإنه يدل على جواز البكاء، وإنه إنما نهي عن الصوت.
ومنه قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "العين تدمع ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب" قاله في وفاة ولده إبراهيم، وأخرج البخاري من حديث ابن عمر "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا ــــ وأشار إلى لسانه ــــ أو يرحم" وأما ما في حديث عائشة عن الشيخين في قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لمن أمره أن ينهى النساء المجتمعات للبكاء على جعفر بن أبي طالب "أحث في وجههن التراب" فيحمل على أنه كان بكاء بتصويت النياحة فأمر بالنهي عنه ولو بحثو التراب في أفواههنّ.