[رح6] ــــ وعنْ بَهْز بن حكيم عَنْ أَبيه عَنْ جدَه رضيَ اللَّهُ عنهم قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "في كلِّ سائمة إبل في أَرْبعين بنْتُ لَبُون لا تُفرَّق إبلٌ عنْ حسابها، مَنْ أَعْطاها مُؤْتجراً بها فَلَهُ أَجْرها، ومنْ مَنَعَها فإنّا آخذوها وَشَطر ماله عَزْمةً مِنْ عزمات ربِّنا، لا يحلُّ لآل محمد منها شيءٍ" رواهُ أَحمد وأَبو داودَ والنسائيُّ وصحّحه الحاكم وعلق الشافعي القوْلَ بهِ على ثُبُوته.
 

(وعن بَهْز) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء والزاي (ابن حكيم) ابن معاوية بن حَيْدَة بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الدال المهملة القشيري بضم القاف وفتح المعجمة، وبهز تابعي مختلف في الاحتجاج به فقال يحيى بن معين في هذه الترجمة: إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة، وقال أبو حاتم: هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الشافعي: ليس بحجة، وقال الذهبي: ما تركه عالم قط (عن أبيه عن جده رضي الله عنهم) عن معاوية بن حيدة صحابي (قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "في كلِّ سائمة إبل في أربعين بنتُ لَبُون) تقدم في حديث أنس أن بنت اللبون تجب من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين فهو يصدق على أنه يجب في الأربعين بنت لبون، ومفهوم العدد هنا مطرح زيادة ونقصاناً لأنه عارضه المنطوق الصريح وهو حديث أنس (لا تُفرَّق إبلٌ عن حسابها) معناه أن المالك لا يفرق ملكه عن ملك غيره حيث كانا خليطين كما تقدم (من أعطاها مؤتجراً بها) أي قاصداً للأجر بإعطائها (فله أَجرُها، ومن منعها فإنّا آخذوها وشطرَ ماله، عزْمة) يجوز رفعه على أنه خبر مبتدإ محذوف ونصبه على المصدرية وهو مصدر مؤكد لنفسه، مثل: له عليّ ألف درهم اعترافاً، والناصب له فعل يدل عليه جملة فإنا آخذوها، والعزمة الجد في الأمر يعني أنّ أخذ ذلك يجد فيه لأنه واجب مفروض (من عزَمات ربِّنا لا يحلُّ لآل محمد منها شيء" رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الحاكم وعلق الشافعي القول به على ثبوته) فإنه قال: هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ولو ثبت لقلنا به، وقال ابن حبان كان ــــ يعني بهزا ــــ يخطيء كثيراً ولولا هذا الحديث لأدخلته في الثقات وهو ممن استخير الله فيه.
والحديث دليل على أنه يأخذ الإمام الزكاة قهراً ممن منعها، والظاهر أنه مجمع عليه، أن نية الإمام كافية وأنها تجزيء من هي عليه، وإن فاته الأجر فقط سقط عنه الوجوب.
وقوله: "وشطر ماله" هو عطف على الضمير المنصوب في آخذوها، والمراد من الشطر البعض. وظاهره أن ذلك عقوبة بأخذ جزء من المال على منعه إخراج الزكاة، وقد قيل: إن ذلك منسوخ ولم يقم مدعي النسخ دليلاً على النسخ بل دل على عدمه أحاديث أخر ذكره في الشرح.
وأما قول المصنف: إنه لا دليل في حديث بهز على جواز العقوبة بالمال لأن الرواية "وشطر ماله" بضم الشين فعل مبني للمجهول أي جعل ماله شطرين ويتخير عليه المصدق ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة. قلت: وفي النهاية ما لفظه: قال الحربي: غلط الراوي في لفظ الرواية إنما هي وشُطِّر ماله أي جعل ماله شطرين إلى آخر ما ذكره المصنف، وإلى مثله جنح صاحب ضوء النهار فيه وفي غيره من رسائله، وذكرنا في حواشيه أنه على هذه الرواية أيضاً دال على جواز العقوبة بالمال إذ الأخذ من خير الشطرين عقوبة بأخذ زيادة على الواجب إذ الواجب الوسط غير الخيار. ثم رأيت الشارح أشار إلى هذا الذي قلناه في حواشي ضوء النهار قبل الوقوف على كلامه، ثم رأيت النووي بعد مدة طويلة يذكر ما ذكرناه بعينه ردّاً على من قال إنه على تلك الرواية لا دليل فيه على جواز العقوبة بالمال ولفظه: إذا تخير المصدق وأخذ من خير الشطرين فقد أخذ زيادة على الواجب وهي عقوبة بالمال، إلا أن حديث بهز هذا لو صحَّ فلا يدل إلا على هذه العقوبة بخصوصها في مانع الزكاة لا غيره.
وهذا الشطر المأخوذ يكون زكاة كله أي حكمه حكمها أخذاً ومصرفاً لا يلحق بالزكاة غيرها في ذلك لأنه ألحق بالقياس ولا نص على علته، وغير النص من أدلة العلة لا يفيد ظناً يعمل به، سيما وقد تقرّرت حرمة مال المسلم بالأدلة القطعية كحرمة دمه، لا يحل أخذ شيء منه إلا بدليل قاطع ولا دليل بل هذا الوارد في حديث بهز آحادي لا يفيد إلا الظنّ فكيف يؤخذ به ويقدم على القطعي.
ولقد استرسل أهل الأمر في هذه الأعصار في أخذ الأموال في العقوبة استرسالاً ينكره العقل والشرع، وصارت تناط الولايات بجهال لا يعرفون من الشرع شيئاً ولا من الأمر، فليس همهم إلا قبض المال من كل من لهم عليه ولاية، ويسمونه: أدباً وتأديباً ويصرفونه في حاجاتهم وأقواتهم وكسب الأوطان وعمارة المساكن في الأوطان فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومنهم من يضيع حد السرقة أو شرب المسكر ويقبض عليه مالاً. ومنهم من يجمع بينهما فيقيم الحد ويقبض المال وكل ذلك محرم ضرورة دينية، لكنه شاب عليه الكبير وشب عليه الصغير وترك العلماء النكير فزاد الشر في الأمر الخطير.
وقوله: "لا تحل لآل محمد" يأتي الكلام في هذا الحكم مستوفي إن شاء الله تعالى.