[رح7] ــــ وعنْ عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحوْلُ، ففيها خمسةُ دراهم، وليس عليك شيءٌ حتى يكون لك عشرون ديناراً وحالَ عَلَيْها الحول، ففيها نصْفُ دينار، فما زادَ فبحساب ذلك، وَلَيْس في مَالٍ زكاةٌ حتى يحول عليه الحولُ" رَواهُ أَبو داود وهُوَ حَسَنٌ وقد اختلف في رفعهِ.
 

(وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم) ربع عشرها (وليس عليك شيء) أي في الذهب (حتى يكون لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحولُ" رواه أبو داود وهو حسن وقد اختلف في رفعه) أخرج الحديث أبو داود مرفوعاً من حديث الحارث الأعور إلا قوله: "فما زاد فبحساب ذلك" قال: فلا أدري أعليٌّ يقول فبحساب ذلك أو يرفعه إلى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وإلا قوله: ليس في المال زكاة إلى آخره" انتهى فأفاد كلام أبي داود أن في رفعه بجملته اختلافاً، ونبه المصنف في التلخيص على أنه معلوم وبيّن علّته، ولكنه أخرج الدارقطني الجملة الأخرى من حديث ابن عمر مرفوعاً بلفظ "لا زكاة في مال امريء حتى يحول عليه الحول" وأخرى أيضاً عن عائشة مرفوعاً "ليس في المال زكاة حتى يحول عليه الحول" وله طريق أخرى عنها.
والحديث دليل على أن نصاب الفضة مائتا درهم وهو إجماع، وإنما الخلاف في قدر الدرهم فإن فيه خلافاً كثيراً سرده في الشرح ولم يأت بما يشفي وتسكن النفس إليه في قدره، وفي شرح الدميري أن كل درهم ستة دوانيق وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، والمثقال لم يتغير في جاهلية ولا إسلام، قال: وأجمع المسلمون على هذا.
وقرر في المنار بعد بحث طويل أن نصاب الفضة من القروش الموجودة على رأي الهادوية ثلاثة عشر قرشاً، على رأي الشافعية أربعة عشر، وعلى رأي الحنفية عشرون وتزيد قليلاً.
وأن نصاب الذهب عند الهادوية خمسة عشر أحمر، وعشرون عند الحنفية ثم قال: وهذا تقريب.
وفيه أن قدر زكاة المائتي الدرهم ربع العشر وهو إجماع.
وقوله "فما زاد فبحساب ذلك" قد عرفت أن في رفعه خلافاً وعلى ثبوته فيدل على أنه يجب في الزائد، وقال بذلك جماعة من العلماء وروي عن علي وعن ابن عمر أنهما قالا: ما زاد على النصاب من الذهب والفضة ففيه أي الزائد ربع العشر في قليله وكثيره، وأنه لا وقص فيهما. ولعلهم يحملون حديث جابر الآتي بلفظ "وليس فيما دون خمس أواق صدقة" على ما إذا انفردت عن نصاب منهما إلا إذا كانت مضافة إلى نصاب منهما وهذا الخلاف في الذهب والفضة.
وأما الحبوب فقال النووي في شرح مسلم: إنهم أجمعوا فيما زاد على خمسة أوسق أنها تجب زكاته بحسابه وأنه لا أوقاص فيها اهـ. وحملوا ما يأتي من حديث أبي سعيد بلفظ "وليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة" على ما لم ينضم إلى خمسة أوسق وهذا يقوي مذهب علي وابن عمر رضي الله عنهم الذي قدمناه في النقدين.
وقوله: "وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً" فيه حكم نصاب الذهب وقدر زكاته وأنه عشرون ديناراً وفيها نصف دينار، وهو أيضاً ربع عشرها، وهو عام لكل فضة وذهب مضروبين أو غير مضروبين، وفي حديث أبي سعيد مرفوعاً أخرجه الدارقطني وفيه "ولا يحل في الورق زكاة حتى يبلغ خمس أواق" وأخرج أيضاً من حديث جابر مرفوعاً "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة".
وأما الذهب ففيه هذا الحديث ونقل المصنف عن الشافعي أنه قال: فرض رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في الورق صدقة فأخذ المسلمون بعده في الذهب صدقة إما بخبر لم يبلغنا وإما قياساً. وقال ابن عبد البر: لم يثبت عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في الذهب شيء من جهة نقل الآحاد الثقات، وذكر هذا الحديث الذي أخرجه أبو داود وأخرجه الدارقطني. قلت: لكن قوله تعالى: {وللذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقوا منها في سبيل الله} الآية منبه على أن في الذهب حقاً لله، وأخرج البخاري وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح وأحمي عليه" الحديث؛ فحقها هو زكاتها وفي الباب عدة أحاديث يشدّ بعضها سردها في الدرّ المنثور.
ولا بد في نصاب الذهب والفضة من أن يكونا خالصين من الغش، وفي شرح الدميري على المنهاج أنه إذا كان الغش يماثل أجرة الضرب والتلخيص فيتسامح به وبه عمل الناس على الإخراج منها.
ودل الحديث على أنه لا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، وهو قول الجماهير وفيه خلاف لجماعة من الصحابة والتابعين وبعض الآل وداود فقالوا: إنه لا يشترط الحول لإطلاق حديث "وفي الرقة ربع العشر" وأجيب بأنه مقيد بهذا الحديث وما عضده من الشواهد، ومن شواهده أيضاً:
[رح8] ــــ وللترمذيِّ عن ابن عُمَر رضي الله عنهما "من استفادَ مالاً فلا زكاة عليه حتى يحولَ عَلَيْه الحولُ" والرَّاجحُ وقْفُهُ.