[رح3] ــــ وعنْ ابنِ عُمُر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول: "إذا رأيتموهُ فصُوموا وإذا رأَيتموهُ فأَفطروا، فإن غُمَّ عليكمْ فاقْدرُوا له" متّفقٌ عليه، ولمسلمٌ: "فإن أُغمَى عليكم فاقُدُرُوا له ثلاثين" وللبخاري "فأَكْملوا العِدة ثلاثين".
 

(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول: "إذا رأيتموه) أي الهلال (فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غُمَّ) بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي حال بينكم وبينه غيم (علكيم فاقدروا لهُ" متفق عليه).
الحديث دليل على وجوب صوم رمضان لرؤية هلاله، وإفطار أول يوم من شوال لرؤية الهلال. وظاهره اشتراط رؤية الجميع له من المخاطبين لكن قام الإجماع على عدم وجوب ذلك بل المراد ما يثبت به الحكم الشرعي من إخبار الواحد العدل أن الاثنين على خلاف في ذلك.
فمعنى إذا رأيتموه أي إذا وجدت فيما بينكم الرؤية، فيدل هذا على أن رؤية بلد رؤية لجميع أهل البلاد فيلزم الحكم.
وقيل: لا يعتبر لأن قوله إذا رأيتموه خطاب لأناس مخصوصين به وفي المسألة أقوال ليس على أحدها دليل ناهض، والأقرب لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها.
وفي قوله: "لرؤيته" دليل على أن الواحد إذا انفرد برؤية الهلال لزمه الصوم والإفطار وهو قول أئمة الآل وأئمة المذاهب الأربعة في الصوم، واختلفوا في الإفطار فقال الشافعي: يفطر ويخفيه.
وقال الأكثر: يستمر صائماً احتياطاً، كذا قاله في الشرح. ولكنه تقدم له في أول باب صلاة العيدين أنه لم يقل بأنه يترك يقين نفسه ويتابع حكم الناس إلا محمد بن الحسن الشيباني وأن الجمهور يقولون إنه يتعين عليه حكم نفسه فيما يتيقنه فناقض هنا ما سلف.
وسبب الخلاف: قول ابن عباس لكريب إنه لا يعتقد برؤية الهلال وهو بالشام بل يوافق أهل المدينة فيصوم الحادي والثلاثين باعتبار رؤية الشام لأنه يوم الثلاثين عند أهل المدينة. وقال: ابن عباس إن ذلك من السنة. وتقدم الحديث وليس بنص فيما احتجوا به لاحتماله كما تقدم فالحق أنه يعمل بيقين نفسه صوماً وإفطاراً ويحسن التكتم بهما صوناً للعباد عن إثمهم بإساءة الظن به (ولمسلم) أي عن ابن عمر (فإن أُغْمي عليك فاقدروا لهُ ثلاثين" وللبخاري أي عن ابن عمر ("فأكملوا العدة ثلاثين").
قوله فاقدروا له هو أمر همزته همزة وصل، وتكسر الدال وتضم، وقيل: الضم خطأ، وفسر المراد به قوله فاقدروا له ثلاثين وأكملوا العدة ثلاثين، والمعنى أفطروا يوم الثلاثين واحسبوا تمام الشهر وهذا أحسن تفاسيره وفيه تفاسير أخر نقلها الشارح خارجة عن ظاهر المراد من الحديث.
قال ابن بطال: في الحديث دفع لمراعاة المنجمين وإنما المعول عليه رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف، وقد قال الباجي ــــ في الرد على من قال إنه يجوز للحاسب والمنجم وغيرهما الصوم والإفطار اعتماداً على النجوم ــــ: إن إجماع السلف حجة عليهم، وقال ابن بزيزة: هو مذهب باطل قد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع.
قال الشارح: قلت: والجواب الواضح عليهم ما أخرجه البخاري عن ابن عمر أنه صلى صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "إنا أمّة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا. يعني تسعاً وعشرين مرة وثلاثين مرة.