[رح15] ــــ وعَنْ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: "كانَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يُقَبِّلُ وَهُو صائمٌ ويُباشرُ وهُوَ صائمٌ، ولكنه كانَ أَمْلَكَكُمْ لإرْبهِ" مُتّفقٌ عليه واللفظٌ لمسلم، وزاد في روايةٍ "في رَمَضَان".
 

(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقبل وهو صائم ويباشر) المباشرة الملامسة وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وليس بمراد هنا (وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربْه) بكسر الهمزة وسكون الراء فموحدة وهو حاجة النفس ووطرها وقال المصنف في التلخيص: معناه لعضوه (متفق عليه واللفظ لمسلم وزاد) أي مسلم (في رواية: في رمضان).
قال العلماء: معنى الحديث أنه ينبغي لكم الاحتراز من القُبْلة، ولا تتوهموا أنكم مثل رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في استباحتها، لأنه يملك نفسه، ويأمن من وقوع القبلة أن يتولد عنها إنزال أو شهوة، أو هيجان نفس، أو نحو ذلك، وأنتم لا تأمنون ذلك، فطريقكم كف النفس على ذلك. وأخرج النسائي من طريق الأسود "قلت لعائشة: أيباشر الصائم؟ قالت: لا، قلت: أليس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يباشر وهو صائم؟ قالت: إنه كان أملككم لإربه" وظاهر هذا: أنها اعتقدت أن ذلك خاص به صلى الله عليه وآله وسلم.
قال القرطبي: وهو اجتهاد منها. وقيل: الظاهر أنها ترى كراهة القبلة لغيره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كراهة تنزيه لا تحريم كما يدل له قولها: أملككم لإربه. وفي كتاب الصيام لأبي يوسف القاضي من طريق حماد بن سلمة: "سئلت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها".
وظاهر حديث الباب جواز القبلة والمباشرة للصائم لدليل التأسي به صلى الله عليه وآله وسلم ولأنها ذكرت عائشة الحديث جواباً عمَّن سأل عن القبلة وهو صائم، وجوابها قاض بالإباحة مستدلة بما كان يفعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وفي المسألة أقوال:
الأول: للمالكية أنه مكروه مطلقاً.
الثاني: أنه محرّم مستدلين بقوله تعالى: {فالآن باشروهن} فإنه منع المباشرة في النهار، وأجيب بأن المراد بها في الآية الجماع، وقد بين ذلك فعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كما أفاده حديث الباب، وقال قوم: إنها تحرم القبلة وقالوا: إن من قبل بطل صومه.
الثالث:أنه مباح، وبالغ بعض الظاهرية فقال: إنه مستحب.
الرابع:التفصيل. فقال: يكره للشاب ويباح للشيخ، ويروى عن ابن عباس ودليله ما أخرجه أبو داود: أنه أتاه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رجل فسأله عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب.
الخامس:إن مالك نفسه جاز له وإلا فلا، وهو مروي عن الشافعي واستدل له بحديث عمر بن أبي سلمة: لما سأل النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فأخبرته أمه أم سلمة أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: "إني أخشاكم لله" فدل على أنه لا فرق بين الشاب والشيخ وإلا لبينه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لعمر، لا سيما وعمر كان في ابتداء تكليفه.
وقد ظهر مما عرفت أن الإباحة أقوى الأقوال. ويدل لذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث [اث] عمر بن الخطاب [/اث] قال: هششت يوماً فقبلت وأنا صائم فأتيت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقلت: صنعت اليوم أمراً عظيماً، فقبلت وأنا صائم فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: ففيم. انتهى.
قوله: هششت بفتح الهاء وكسر الشين المعجمة بعدها شين معجمة ساكنة معناه ارتحت وخففت.
واختلفوا أيضاً فيما إذا قبل أو نظر أو باشر فأنزل أو أمذى: فعن الشافعي وغيره: أنه يقضي إذا أنزل في غير النظر ولا قضاء في الإمذاء.
وقال مالك: يقضي في كل ذلك ويكفر إلا في الإمذاء فيقضي فقط. وثمة خلافات أخر الأظهر أنه لا قضاء ولا كفارة إلا على من جامع، وإلحاق غير المجامع به بعيد.
تنبيه: قوله "وهو صائم": لا يدل أنه قبلها وهي صائمة، وقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن عائشة: كان يقبل بعض نسائه في الفريضة والتطوع. ثم ساق بإسناده "أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان لا يمس وجهها وهي صائمة" وقال: ليس بين الخبرين تضادّ لأنه كان يملك إربه ونبه بفعله ذلك على جواز هذا الفعل لمن هو بمثابة حاله وترك استعماله إذا كانت المرأة صائمة علماً منه بما ركب في النساء من الضعف عند الأشياء التي ترد عليهن انتهى.