[رح22] ــــ وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أنَّ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم خَرَج عامَ الْفتحِ إلى مكّة في رمضان فصام حتّى بَلَغَ كُراع الْغميم فَصَام النّاسُ، ثمَّ دعا بقدح منْ ماءٍ فَرَفَعهُ حتى نَظَرَ الناسُ إليهِ ثمَّ شربَ فقيل لهُ بَعْدَ ذلك إنَّ بعض الناس قدْ صامَ؟ فقال: "أُولئكَ العُصاةُ، أُولئكَ الْعُصاةُ" وفي لفظ "فقيلَ لهُ إنَّ النّاس قدْ شقَّ عَلَيْهمُ الصِّيام وإنما ينْظرون فيما فعلتَ، فدعا بقدح منْ ماءٍ بعد العصر فشرب" رواهُ مسلمٌ.
 

(وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان) سنة ثمان من الهجرة قال ابن إسحاق وغيره: إنه خرج يوم العاشر منه (فصام حتى بلغ كُراع الغميم) بضم الكاف فراء آخره مهملة، والغميم بمعجمة مفتوحة وهو واد أمام عسفان (فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب) ليعلم الناس بإفطار بإفطاره (فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: "أُولئك العُصاةُ أُولئك العُصاة" وفي لفظ: فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فشرب. رواه مسلم).
الحديث دليل على أن المسافر له أن يصوم وله أن يفطر وأن له الإفطار وإن صام أكثر النهار: وخالف في الطرف الأول داود والإمامية فقالوا: لا يجزيء الصوم لقوله تعالى: {فعدةٌ من أيام أخر} وبقوله: "أولئك العصاة" قوله: "ليس من البر الصيام في السفر".
وخالفهم الجماهير فقالوا: يجزئه صومه لفعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم والآية لا دليل فها على عدم الإجزاء وقوله: "أولئك العصاة" إنما هو لمخالفتهم لأمره بالإفطار وقد تعين عليهم.
وفيه أنه ليس في الحديث أنه أمرهم، وإنما يتم على أن فعله يقتضي الوجوب. وأما حديث "ليس من البر" فإنما قاله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: فيمن شق عليه الصيام نعم يتم الاستدلال بتحريم الصوم في السفر على من شق عليه فإنه إنما أفطر صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لقولهم إنهم قد شق عليهم الصيام والذين صاموا بعد ذلك وصفهم بأنهم عصاة.
وأما جواز الإفطار إن صام أكثر النهار فذهب أيضاً إلى جوازه الجماهير وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث، وهذا إذا نوى الصيام في السفر فأما إذا دخل فيه وهو مقيم ثم سافر في أثناء يومه.
فذهب الجمهور إلى أنه ليس له الإفطار، وأجازه أحمد وإسحاق وغيرهم والظاهر معهم لأنه مسافر.
وأما الأفضل فذهبت الهادوية وأبو حنفية والشافعي إلى أن الصوم أفضل للمسافر حيث لا مشقة عليه ولا ضرر فإن تضرر فالفطر أفضل.
وقال أحمد وإسحاق وآخرون: الفطر أفضل مطلقاً بالأحاديث التي احتج بها من قال لا يجزىء الصوم. قالوا: وتلك الأحاديث وإن دلت على المنع لكن حديث حمزة بن عمرو الآتي وقوله: "ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه" وأفاد بنفيه الجناح، أنه لا بأس به لا أنه محرم ولا أفضل.
واحتج من قال بأن الصوم الأفضل أنه كان غالب فعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في أسفاره، ولا يخفى أنه لا بد من الدليل على الأكثرية وتأولوا أحاديث المنع بأنه لمن يشق عليه الصوم.
وقال آخرون: الصوم والإفطار سواء لتعادل الأحاديث في ذلك وهو ظاهر حديث أنس "سافرنا مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم" وظاهره التسوية.